وفي الصحيح للبخاري ومسلم عدة من الرواة المدلسين كالأعمش، سليمان بن مهران الأعمش؛ الإمام السيد الجليل، وكهشيم بن بشير الواسطي، وكلاهما من رواة الصحيح، كلهم وصفوا بالتدليس، ودلسوا، وهشيم اجتمع أصحابه، وتعاهدوا أن لا يأخذوا عنه شيئاً يدلس فيه، ففطن لذلك -رحمه الله- فطن لذلك، فصار يقول لهم: حدثني الحكم ومغيرة، وهذا من تدليس العطف، لما انتهى من الأحاديث الذي يريد إملائها عليهم، قال: هل دلست لكم شيئاً؟ قالوا: لا، قال: كل ما حدثتكم عن مغيرة فليس بمسموع لي، استعمل فيه تدليس العطف، التدليس موجود عند أئمة كبار، عند أئمة كالسفيانين مثلاً، ويوجد فيهم شيء من هذا، وإن لم يكن كثيراً، ويكون تدليسهم عن ثقات، لكن مع ذلك أهل العلم يرون أن غاية ما في التدليس أنه كالإرسال، وإن كان الإرسال أمره سهل، والتدليس فيه تلبيس على السامع، وتوعير لطريق معرفة المحذوف، فهو أشد منه، لكن وقوعه من هؤلاء الأئمة لا شك إما أن تتعرض للطعن في هؤلاء، أو تهون من شأن التدليس ما في شيء ثالث، لكن لا يظن بهؤلاء الأئمة أن الحامل لهم على التدليس ما سيأتي من شر أنواع التدليس.
فشره للضعف واستصغارا ... وكالخطيب يوهم استكثارا
.. إلى آخره.
وقد يحمل على التفنن في العبارة، وقد يكون للاختبار أحياناً، قد يكون هشيم -مثلا ًفي مثل هذه القصة- أراد أن يختبر الطلاب، المقصود أن لهم أسباب وأهداف تحملهم على ذلك، ووجد من أئمة، فيحتمل منهم "وكهشيم بعده وفتش" فتش إذا كان هذا في الصحيحين فتش في الكتب الأخرى، تجد من ذلك الشيء الكثير "وذمه" هذا حكم التدليس، "وذمه شعبة ذو الرسوخ" جماعة من أهل الحديث لا يرون بالتدليس بأساً، لا يرون به بأساً، ولعلهم الذين يفعلونه، هم من العلماء، فإذا كانوا يفعلونه فيليق بهم أن لا يروا به بأساً؛ لأنه لو رأوا به بأساً ما فعلوه؛ لأنهم أورع من أن يقدموا على محرم يعلمون تحريمه.