هذه الأخبار؛ لماذا تذكر هذه الأخبار؟ إلا ليستنبط منها، يستنبط منها الأحكام ليعمل بها، هذه هي الثمرة، فإذا جعلنا هذا مما ينزل منزلة صحيح البخاري بالنسبة لصحيح مسلم، قلنا: أن الأحاديث تذكر لمجرد البركة، كما يفعله كثير من المسلمين من المقلدة للأئمة الذين لا يعملون بالأحاديثـ، وإنما يقرءونها لمجرد البركة، الأصل أن الخبر إنما يذكر ليستنبط منه، للعمل، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- تولى هذا ببراعة فائقة بما لا يوجد نظيره عند غيره -رحمه الله تعالى-، ومن عانى الكتاب عرف مقدار هذا الإمام -رحمه الله تعالى-، فهذه ميزة لصحيح البخاري، أيضاً الآثار من عيون أقاويل السلف من الصحابة، والتابعين؛ هذه يتوج بها الإمام البخاري هذه التراجم ليبين معانيها، ويرجح بها ما لا يستطيع ترجيحه من الاحتمالات التي يحتملها لفظ الخبر، فيرجح بأقاويل الصحابة والتابعين -رحمه الله تعالى-، فهذا حقيقةً مما يرجح صحيح البخاري.
بعضهم رجح صحيح مسلم بحسن الصناعة، بحسن الصناعة، فالإمام مسلم ترتيبه عجيب في سرد طرق الأحاديث؛ سواءٌ كان ذلك في الأسانيد، أو في المتون، نعم، برع الإمام مسلم في هذا، إذا لحظنا ترتيب الحديث الواحد بطرقه، وما يتلوه من أحاديث تشهد له، شهد كل واحد ببراعة الإمام مسلم، وهذا مرجح كما قال بعضهم:
تشاجر قوم في البخاري ومسلم ... لدي وقالوا: أي ذين تقدم؟
فقلت: لقد فاق البخاري صحة ... كما فاق في حسن الصناعة مسلم