للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا، لم ينفع بالدليل، لم ينفع بالدليل؛ لأن الأصحية مردها إلى اتصال الإسناد، وعدالة الرواة، فإذا كان أحدهما أشد اتصالاً من الآخر، وأوثق رواةً صار أصح، على أن مسلماً تلميذ للإمام البخاري، تلميذه، وخريجه حتى قال الدارقطني: "لولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء"، ومقتضى علو المؤلِّف؛ علو المؤلَّف، هذا غالباً؛ لأنه براعة التأليف من براعة مؤلفه، وإن وجد في مصنفات بعض الطلاب من بعض الوجوه ما هو أفضل من مصنفات بعض شيوخهم، والمسألة مواهب، من أهل العلم من يحفظ من العلم الشيء الكثير، ويتقن التعليم لكن لا يتقن التأليف، والعكس موجود، لكن هذا تفضيل إجمالي، تفضيل إجمالي، التفضيل التفصيلي، قالوا: الأصحية مردها إلى عدالة الرواة، واتصال الأسانيد، فإذا نظرنا في واقع الكتابين وجدنا أنهما خرجا لرجال جازوا القنطرة، رجال الصحيحين، لكن لم يسلم بعضهم من كلام يسير، والرواة الذين تكلم فيهم من رواة صحيح مسلم أكثر من الرواة الذين تكلم فيهم ممن خرج لهم البخاري، فالمتكلم فيهم من رواة مسلم مائة وستون، والمتكلم فيهم من رواة البخاري ثمانون، على النصف، فإذا عرفنا هذا أنه من تكلم فيه من الرواة في البخاري أقل؛ إذن صحيح البخاري أوثق رواة، وأما بالنسبة لاتصال الأسانيد، فالإمام البخاري على ما استفاض عند أهل العلم وتناقلوه، وتداولوه من غير نكير، الإمام البخاري يشترط ثبوت اللقاء، بين من روى، ومن روى عنه، وهذا معروف عند أهل العلم، ومستفيض عندهم، وتداولوه وتناقلوه، بينما الإمام مسلم قرر في مقدمة الصحيح أنه يكتفي بالمعاصرة، ولا شك أن اشتراط ثبوت اللقاء من حيث الاتصال أقوى من الاكتفاء بمجرد المعاصرة، وإمكان اللقاء, وهذه المسألة يأتي بحثها -إن شاء الله تعالى- بالتفصيل في السند المعنعن، لكن هذه إشارة، هذه إشارة، فإذا كان الإمام البخاري أوثق رواة، وأشد اتصال؛ فمن أين يأتي تفضيل مسلم على البخاري؟ والإمام مسلم، وهو يكتفي بالمعاصرة، وقرر ذلك في صدر كتابه، وذكر أحاديث لا تروى بأي إسناد يوجد في الدنيا إلا بالعنعنة، مع أنه يمكن اللقاء ولم يثبت، يعني ما في أحد يستطيع أن يثبت لقاء الرواة بعضهم ببعض، في الأحاديث التي ذكرها في