للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنا أقول: لا قلب في هذا الحديث؛ بل آخره يشهد لأوله: ((إذا سجد أحدكم؛ فلا يبرك كما يبرك البعير)) يعني فلا يرمي بنفسه على الأرض بقوة، كما يفعل البعير بحيث يثير الغبار، ويفرق الحصى، بل يضع يديه مجرد وضع على الأرض، فإذا وضع يديه مجرد وضع على الأرض، فإنه حينئذٍ لا يقال له أنه برك، وإذا وضع يديه على الأرض بقوة يقال برك، وإذا وضع ركبتيه على الأرض بقوة يقال برك، وفي الصحيح في صحيح البخاري: "فبرك عمر -رضي الله عنه- على ركبتيه بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-" يعني أنه نزل على الأرض بقوة، من هول الموقف فبرك على ركبتيه، الصورة في تقديم اليدين على الركبتين لا يمكن أن تشابه، لأن البعير من الأصل يديه على الأرض ما كانت يداه مرفوعتان ثم يهوي بهما إلى الأرض فلا مطابقة بين من قدم يديه على ركبتيه، وبين بروك البعير، المشابهة إنما تكون إذا هوى على الأرض بقوة فإنه حينئذٍٍ يشبه بروك البعير؛ لأن البعير إذا برك أثار الغبار، وفرق الحصى، فإذا أثار الغبار، وفرق الحصى؛ قلنا: برك كما يبرك البعير، ولو قدم ركبتيه على يديه بقوة، وسمع لركبتيه صوت، وبعض الناس يخلخل البلاط إذا نزل على الأرض بقوة، نقول: هذا برك مثل ما يبرك الحمار؛ لأنه يقدم ركبتيه على يديه.

ليس وجه الشبه في تقديم اليدين على الركبتين، ولا داعي أن نقول إن ركبتي البعير في يديه، أو في غير ذلك، إنما نقول: المنهي عنه أن نشابه البعير في نزولنا على الأرض بقوة، أما إذا نزلنا على الأرض برفق، وهون فلا مشابهة؛ لأن اليدين مرفوعتان فوق قبل ذلك، ويدي البعير على الأرض من الأصل، فلا مشابهة بوجه من الوجوه اللهم إلا إذا نزلنا بقوة، نكون حينئذٍ أشبهنا البعير، يقال: برك البعير، وحصحص البعير إذا أثار الغبار وفرق الحصى.