يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: "ولم يعماه" البخاري ومسلم، جمعا من الصحيح ما جمعا في كتابيهما، لكن ما جمعاه لم يعما به جميع ما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا اشترط واحد منهم ذلك، ولا ادعى أحد منهم ذلك، بل المحفوظ عنهم غير ذلك، البخاري يقول:"ما ذكرت في كتابي فهو صحيح، وما تركت من الصحيح أكثر خشية الطول، أو خشية أن يطول الكتاب"، والإمام مسلم يقول:"ما ذكرت في كتابي إلا ما أجمعوا عليه" يعني والصحيح الذي يختلفون فيه ما ذكر منه شيئاً، فدل على أن هناك صحيحاً قد يكون أكثر مما في الصحيحين، وهو الواقع مما لا يوجد في الصحيحين "ولم يعماه" وعلى هذا هما ما ادعيا ذلك، ولا التزماه، فإلزام الدارقطني -رحمه الله تعالى- لهما بتخريج أحاديث على شرطهما، غير لازم، في كتاب أسماه:"الإلزامات"، وكذلك الحاكم، حينما ألزمهما بتخريج أحاديثه على شرطهما، ولم يخرجاه، كل هذا ليس بلازم؛ لأنهما ما التزما ذلك، وما قال: إننا الحديث الذي لا نذكره في كتابينا ليس بصحيح، ما قالا ذلك.
ولم يعماه ولكن قلما ... عند ابن الأخرم منه قد فاتهما
ابن الأخرم، يعني الترتيب على هذه الهيئة بالنسبة لصحيح مسلم، وهو من مسلم، ترتيب الأحاديث، التراجم الكبرى كتاب الإيمان، كتاب الطهارة، كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، هذا موجود في كثير من النسخ العتيقة، التراجم الكبرى، الكتب، أما الأبواب فالمعروف، والمتفق عليه بين أهل العلم أن مسلم لم يترجم كتابه بأبواب، ولذا تجدون كل شارح يترجم بما يستنبطه من الأحاديث، تجدوا عند النووي تراجم لا توجد عند القاضي عياض، تجدون عند القاضي عياض تراجم لا توجد عن الشراح الآخرين، الأُبي له تراجم، السنوسي له تراجم، كلٌ يترجم بما يلوح له من حكم يستنبطه من الحديث، هذا يدل على أن مسلم لم يترجم كتابه، والنسخ القديمة العتيقة كلها ما فيها تراجم، تراجم جزئية، وإن أشار القاضي عياض في "إكمال المعلم" أنه وقف على نسخة مترجمة، لكن المعروف عند أهل العلم أن مسلم لم يترجم كتابه، أخلاه من التراجم؛ لئلا يمزج كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- بغيره، بكلامه هو.