كمالًا، فإن العلم المحض ليس بكمال، وإنما يكون كمالًا لما يتضمنه أو يستلزمه من الفعل الوجودي الذي هو سبب الكمال، وأما أن يكون مجرد الترك الذي هو عدمٌ محضٌ كمالًا أو سببًا للكمال فلا.
مثال ذلك: أنَّه لو ترك السجود للصنم لم يكن كماله في مجرد هذا الترك ما لم يسجد للَّه، وإلا فلو ترك السجود للَّه وللصنم لم يكن ذلك كمالًا. وكذلك لو ترك تكذيب الرسول ومعاداته لم يكن بذلك مؤمنًا ما لم يفعل ضد ذلك من التصديق والحب له وموالاته وطاعته.
فعُلم أن الكمال كلَّه في المأمور، وأن المنهيَّ ما لم يتصل به فعل المأمور لم يفد شيئًا ولم يكن كمالًا، فإن الرجل لو قال للرسول: لا أكذبك ولا أصدقك ولا أواليك ولا أعاديك ولا أحاربك ولا أحارب من يحاربك لكان كافرًا، ولم يكن مؤمنًا بترك معاداته وتكذيبه ومحاربته، ما لم يأتِ بالفعل الوجودي الذي أُمر به.
السادس عشر: أن العبد إذا أتى بالمأمور به على وجهه ترك المنهي ولا بد، فالمقصود إنما هو فعل المأمور، ومع فعله على وجهه يتعذر فعل المنهى. فالمنهيُّ عنه في الحقيقة هو تعريض المأمور للإضاعة، فإن العبد إذا فعل ما أُمِرَ به من العدل والعفة، امتنع صدورُ الظلم والفواحش منه، فنفس العدل يتضمن ترك الظلم، ونفس العفة تتضمن ترك الفواحش، فدخل ترك المنهي في المأمور ضمنًا وتبَعًا، وليس كذلك في عكسه، فإن ترك المحظور لا يتضمن فعل المأمور، فإنه قد يتركهما معًا كما تقدم بيانه (١). فعُلِم أن القصد هو إقامة الأمر على وجهه، ومع ذلك