للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل (١)

وزاد بعضهم قسمًا ثالثًا من أقسام الصبر: وهو الصبر مع اللَّه، وجعلوه أعلى أنواع الصبر، وقالوا: هو الوفاء (٢).

ولو سئل هذا عن حقيقة الصبر مع اللَّه لما أمكنه أن يفسره بغير الأنواع الثلاثة التي ذكرت، وهنّ: الصبر على أقضيته، والصبر على أوامره، والصبر عن نواهيه.

فإن زعم أن الصبر مع اللَّه هو الثبات على أحكامه يدور معها حيث دارت، فيكون دائمًا مع اللَّه لا مع نفسه، فهو مع اللَّه بالمحبة والموافقة.

فهذا المعنى حق، ولكن مداره على الصبر على الأنواع المتقدمة.

فإن زعم أن الصبر مع اللَّه هو الجامع لأنواع الصبر. فهذا حق، ولكن جَعْلُه قسمًا رابعًا من أقسام الصبر غير مستقيم.

واعلم أن حقيقة الصبر مع اللَّه هو: ثبات القلب بالاستقامة معه، لا يروغ عنه روغان الثعالب هاهنا وهاهنا، فحقيقة هذا الاستقامة إليه وعكوف القلب عليه.

وزاد بعضهم قسمًا آخر من أقسامه، وسمّاه: الصبر فيه.

وهذا أيضًا غير خارج عن أقسام الصبر المذكورة، ولا يعقل من الصبر فيه معنى غير الصبر له، وهذا كما يُقال: فعلتُ هذا في اللَّه


(١) بياض في الأصل مكان هذه الكلمة، واستدركتها من النسخ الأخرى.
(٢) جعله القشيري في "تفسيره" (٦/ ٣١٨) أشد أنواع الصبر.
وانظر في جعل الصبر مع اللَّه وفاء: "الرسالة القشيرية" ص ٢٥٧، و"إحياء علوم الدين" (٤/ ٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>