للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرضت أبدانهم.

وقال بعض أهل العلم في الأثر المروي: "إذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا اللَّه العافية" (١): إن أهل البلاء المبتلون بمعاصي اللَّه والإعراض والغفلة عنه (٢).

وهذا وإن كان أعظم البلاء فاللفظ يتناول أنواع المبتلين في أبدانهم وأديانهم، واللَّه أعلم.

الحادي عشر: أن يُعوّد باعث الدين ودواعيه مصارعة الهوى ومقاومته على التدريج قليلًا قليلًا حتى يدرك لذة الظفر، فتقوى حينئذ هِمته، فإن من ذاق لذة شيء قويت همته في تحصيله. والاعتياد لممارسة الأعمال الشاقة يزيد القوى التي تصدر عنها تلك الأعمال، ولذلك تجد قوى الحمالين وأرباب الصنائع الشاقة تتزايد بخلاف البزاز (٣) والخياط ونحوهما. ومن ترك المجاهدة بالكلية ضعف فيه باعث الدين وقوي فيه باعث الشهوة، ومن عوّد نفسه مخالفة الهوى غلبه متى أراد.


(١) ذكر هذا الأثر ابن الجوزي في "المدهش" ص ٣٣٨، دون نسبة لأحد.
وجاء أنه مرفوع إلى النبي كما سيأتي في الحاشية التالية، إلا أنه روي عن عيسى بن مريم أنه قال: "فارحموا أهل البلاء واحمدوا اللَّه على العافية". رواه: مالك في "الموطأ" (٢/ ٩٨٦) بلاغًا، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"
رقم (٣١٨٧٩، ٣٤٢٣٠)، وأبو نعيم في "الحلية" (٦/ ٥٨، ٣٢٨) وغيرهما.
(٢) وهذا مروي عن الشبلي أنه سئل عن قول النبي : "إذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا اللَّه العافية". من هم أهل البلاء؟ قال الشبلي: أهل الغفلة عن اللَّه. انظر: "تاريخ بغداد" (١٢/ ١٦١).
(٣) البزاز هو بائع البَزّ. والبَزُّ: الثياب. "لسان العرب" (٥/ ٣١١ - ٣١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>