الثاني عشر: كف الباطن عن حديث النفس، وإذا مرت به الخواطر نفاها ولا يؤويها ويساكنها، فإنها تصير مُنى، وهي رؤوسُ أموال المفاليس. ومتى ساكن الخواطر صارت أماني، ثم تقوى فتصير همومًا، ثم تقوى فتصير إرادات، ثم تقوى فتصير عزمًا يقترن به المراد.
فدفع الخاطر الأول أسهل وأيسر من دفع أثر المقدور بعد وقوعه وترك معاودته (١).
الثالث عشر: قطع العلائق والأسباب التي تدعوه إلى موافقة الهوى، وليس المراد أن لا يكون له هوى، بل يصرف هواه إلى ما ينفعه ويستعمله في تنفيذ مراد الرب تعالى، فإن ذلك يدفع عنه شر استعماله في معاصيه، فإن كلَّ شيء من الإنسان يستعمله للَّه فإن اللَّه يقيه شرّ استعماله لنفسه وللشيطان، وما لا يستعمله للَّه استعمله لنفسه وهواه ولابد.
فالعلم إن لم يكن للَّه كان للنفس والهوى، والعمل إن لم يكن للَّه كان للرّياء والنفاق، والمال إن لم ينفق للَّه أنفق في طاعة الشيطان والهوى، والجاه إن لم يستعمل للَّه استعمل صاحبه في هواه وحظوظه، والقوة إن لم يستعملها في أمر اللَّه استعملتْه في معصيته.
فمن عوّد نفسه العمل للَّه لم يكن عليه أشق من العمل لغيره، ومن عوّد نفسه العمل لهواه وحظه لم يكن عليه أشقّ من الإخلاص والعمل للَّه، وهذا في جميع أبواب الأعمال، فليس شيء أشق على المنفق للَّه
(١) توسع ابن القيم في بيان هذا الوجه في كتابه "طريق الهجرتين" ص ٢٧٤ وما بعدها.