للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا: ويدل على صحة هذا أن النبي عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فلم يأخذها، وقال: "بل أجوع يومًا، وأشبع يومًا" (١). ولو أخذها لأنفقها كلها في مرضاة اللَّه ﷿ وطاعته، فآثر مقام الصبر عنها والزهد فيها.

قالوا: وقد عُلم أن الكمال الإنساني في ثلاثة أمور: علوم يعرفها، وأعمال يعمل بها، وأحوال تُرتب له على علومه وأعماله.

وأفضل العلم والعمل والحال العلم باللَّه وأسمائه وصفاته وأفعاله، والعمل بمرضاته، وانجذاب القلب إليه بالحب والخوف والرجاء، فهذا أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الآخرة.

وأجل المقاصد معرفة اللَّه ﷿ ومحبته، والأنس بقربه، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره، وهذا أجلّ سعادة الدنيا والآخرة، وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها. وإنما يشعر العبد تمام الشعور بأن ذلك عين السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة، وإلا فهو في الدنيا وإن شعر بذلك بعض الشعور فليس شعوره به كاملًا، للمعارضات التي عليه والمحن التي امتحن بها، وإلا فليست السعادة في الحقيقة سوى ذلك.

وكل العلوم والمعارف تبع لهذه المعرفة، مرادة لأجلها، وتفاوت العلوم في فضلها بحسب قرب إفضائها إلى هذه المعرفة وبُعدِه، فكل


(١) رواه الترمذي في "جامعه" رقم (٢٣٤٧) عن أبي أمامة عن النبي قال: "عرض عليّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهبًا. قلت: لا يا ربّ ولكن أشبع يومًا وأجوع يومًا" الحديث. وقال: "حديث حسن".

<<  <  ج: ص:  >  >>