للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخبر عنه سبحانه بأنه أمّة، أي: قدوة يؤتمُّ به في الخير، وأنه قانتٌ له، والقانت: هو المطيع المقيم على طاعته، والحنيف: هو المقبل على اللَّه المعرض عما سواه، ثم ختم له هذه الصفات بأنه شاكرٌ لأنعمه، فجعل الشكر غاية خليله.

وأخبر سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه وأمره، بل هو الغاية التي خلق عبيده لأجلها فقال: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [النحل: ٧٨].

فهذا غاية الخلق، وأما غاية الأمر، فقال: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣)[آل عمران: ١٢٣].

ويجوز أن يكون قوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣)﴾ تعليلًا لقضائه لهم بالنصر، ولأمره لهم بالتقوى، ولهما معًا، وهو الظاهر، فالشكر غاية الخلق والأمر، وقد صرَّح سبحانه بأنه غاية أمره وإرساله الرسول في قوله: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (١٥٢)[البقرة: ١٥١، ١٥٢].

قالوا: فالشكر مراد لنفسه، والصبر مراد لغيره، والصبر إنما حمد لإفضائه وإيصاله إلى الشكر، فهو خادم الشكر.

وقد ثبت في "الصحيحين" عن النبي أنه قام حتى تفطرت قدماه، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا" (١).


(١) "صحيح البخاري" رقم (٤٨٣٧)، و"صحيح مسلم" رقم (٢٨٢٠)، من حديث =

<<  <  ج: ص:  >  >>