للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: "ما هذا؟ " فقلت: فلانة الأنصارية دخلت عليّ فرأت فراشك فبعثت إليّ بهذا. فقال: "رُدّيه" فلم أردَّه، وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال لي ذلك ثلاث مرات، فقال: "يا عائشة رُدِّيه، فواللَّه لو شئتُ لأجرى اللَّه معي جبال الذهب والفضة" فرددته (١).

ولم يكن اللَّه سبحانه يختار لرسوله إلا الأفضل، هذا مع أنه لو أخذ الدنيا لأنفقها كلها في مرضاة اللَّه ﷿، ولكان شكره بها فوق شكر جميع الناس.

قيل: قد احتج بحال رسول اللَّه كل واحدة من الطائفتين.

والتحقيق: أن اللَّه سبحانه جمع له بين المقامين كليهما على أتم الوجوه، فكان سيد الأغنياء الشاكرين وسيد الفقراء الصابرين، فحصل له من الصبر على الفقر ما لم يحصل لأحد سواه، ومن الشكر على الغنى ما لم يحصل لغني سواه.

ومن تأمل سيرته وجد الأمر كذلك، فكان أصبر الخلق في مواطن الصبر، وأشكر الخلق في مواطن الشكر، وربه تعالى كمّل له مراتب الكمال فجعله في أعلى رتب الأغنياء الشاكرين، وفي أعلى مراتب الفقراء الصابرين، قال تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ [الضحى: ٨].

وأجمع المفسرون على أن العائل هو الفقير، يُقال: عال الرجل


(١) "الزهد" للإمام أحمد رقم (٧٦).
ورواه ابن سعد في "الطبقات" (١/ ٤٦٥)، والطبراني في "الأوسط" رقم (٦٠٢٩)، والبيهقي في "شعب الإيمان" رقم (١٤٦٨). وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم (٢٤٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>