للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاصلة لجماعة من الصحابة ولم تضرهم إذ لم يتكاثروا بها.

وكل مَن كاثر إنسانًا في دنياه أو جاهه أو غير ذلك، شغلته مكاثرته عن مكاثرة أهل الآخرة، فالنفوس الشريفة العلويّة ذات الهمم العالية إنما تكاثر بما يدوم عليها نفعه وتكمل به وتزكو وتصير مفلحة، فلا تحب أن يَكْثُرَها غيرها في ذلك، وينافسه في هذه المكاثرة ويسابقه إليها، فهذا هو التكاثر الذي هو غاية سعادة العبد. وضده تكاثر أهل الدنيا بأسباب دنياهم، فهذا تكاثر مُلْهٍ عن اللَّه والدار الآخرة، وهو صائر إلى غاية القلّة، فعاقبة هذا التكاثر قلٌّ وفقر وحرمان.

والتكاثر بأسباب السعادة الأخروية تكاثر لا يزال يذكر باللَّه ولقائه، وعاقبته الكثرة الدائمة التي لا تزول ولا تفنى، فصاحب هذا التكاثر لا يهون عليه أن يرى غيره أفضل قولًا منه وأحسن عملًا وأغزر علمًا. وإذا رأى غيره أكثر منه في خصلة من خصال الخير يعجز عن لحاقه فيها، كاثره بخصلة أخرى هو قادر على المكاثرة بها.

وليس هذا التكاثر مذمومًا ولا قادحًا في إخلاص العبد، بل هو حقيقة المنافسة واستباق الخيرات، وقد كانت هذه حال الأوس مع الخزرج في تواصلهم بين يدي رسول اللَّه ومكاثرة بعضهم لبعض في أسباب مرضاته ونصره، وكذلك كانت حال عمر مع أبي بكر فلما تبيّن له مدى سبقه قال: "واللَّه لا أسابقك إلى شيء أبدًا" (١).


(١) رواه أبو داود في "سننه" رقم (١٦٧٨).
وصححه الحاكم في المستدرك (١/ ٤١٤) على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>