للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما اطمأن منها إلى سرور أشخصته إلى مكروه، السّارّ فيها غدًا ضارٌّ، وقد وصل الرخاء منها بالبلاء، وجعل البقاء فيها إلى فناء، فسرورها مشوب بالحزن. لا يرجع منها إلى ما ولّى فأدبر، ولا يدرى ما هو آت فينتظر، أمانيها كاذبة، وآمالها باطلة، وصفوها كدر، وعيشها نكد. فلو كان الخالق لها لم يخبر عنها خبرًا، ولم يضرب لها مثلًا، لكانت قد أيقظت النائم، ونبّهت الغافل، فكيف وقد جاء من اللَّه ﷿ عنها زاجر، وفيها واعظ، فما لها عند اللَّه ﷿ قدر ولا وزن، وما نظر إليها منذ خلقها. ولقد عرضت على نبينا بمفاتيحها وخزائنها لا تنقصه عند اللَّه جناح بعوضة فأبى أن يقبلها، كره أن يحب ما أبغض خالقُه، أو يرفع ما وضع مليكه، فزواها عن الصالحين اختبارًا، وبسطها لأعدائه اغترارًا، فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه أكرم بها، ونسي ما صنع اللَّه بمحمد حين شدّ الحجر من بطنه" (١).

وقال الحسن أيضًا: "ابن آدم لا تعلِّق قلبك بالدنيا، فتعلِّقه بشرّ معلَّق، قطّع حبالها، وغلّق أبوابها، حسبك يا ابن آدم منها ما يبلغك المحل" (٢).

وكان يقول: "إن قومًا أكرموا الدنيا فصلبتهم على الخشب، فأهينوها، فأهنأ ما تكون إذا أهنتموها، هيهات هيهات ذهبت الدنيا، وبقيت الأعمال قلائد في الأعناق! " (٣).


(١) "ذم الدنيا" رقم (٢٩٣).
ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٦/ ٣١٣ - ٣١٤). ورواه أبو نعيم أيضًا في (٢/ ١٣٤ - ١٣٩) بأطول مما هاهنا ومع اختلاف وتقديم وتأخير.
(٢) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" رقم (٤٠٥).
(٣) رواه ابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" رقم (٤٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>