للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل

المثال السادس: تمثيله لها بمدخل إصبعه في اليمّ (١)، فالذي يرجع به إصبعه من البحر، هو مثل الدنيا بالنسبة إلى الآخرة.

وهذا أيضًا من أحسن الأمثال؛ فإن الدنيا منقطعة فانية، ولو كانت مدتها أكثر مما هي، والآخرة أبدية لا انقطاع لها، ولا نسبة للمحصور إلى غير المحصور، بل لو فرض أن السماوات والأرض مملوءتان خردلًا، وبعد كل ألف سنة طائر ينقل خردلة فني الخردل، والآخرة لا تفنى، فنسبة الدنيا إلى الآخرة في التمثيل كنسبة خردلة واحدة إلى ذلك الخردل.

ولهذا لو أن البحر يمدّه من بعده سبعة أبحر، وأشجار الأرض كلها أقلام يكتب بها كلام اللَّه، لنفدت الأبحر والأقلام ولم تنفد كلمات اللَّه؛ لأنها لا بداية لها ولا نهاية، والأبحر والأقلام متناهية (٢).

قال الإمام أحمد وغيره: "لم يزل اللَّه متكلمًا إذا شاء" (٣).

وكماله المقدس مقتض لكلامه، وكماله من لوازم ذاته فلا يكون إلا كاملًا، والمتكلم أكمل ممن لا يتكلم، وهو سبحانه لا يلحقه كلال ولا تعب ولا سآمة من الكلام، وهو يخلق ويدبر خلقه بكلماته، فكلماته هي التي وُجد بها خلقه وأمره، وذلك حقيقة ملكه وربوبيته


(١) سبق تخريجه ص (٣٣٠).
(٢) قال اللَّه تبارك تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)﴾ [لقمان: ٢٧].
(٣) انظر كلام الإمام أحمد هذا في "الرد على الزنادقة والجهمية" ص ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>