للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خضراء، قال: فمكث فيهم ما شاء اللَّه، ثم قال: يا هؤلاء الرحيل. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى ماء ليس كمائكم وإلى رياض ليست كرياضكم. قال: فقال جُلُّ القوم وهم أكثرهم: واللَّه ما وجدنا هذا حتى ظننا أن لن نجده، وما نصنع بعيش خير من هذا؟! قال: وقالت طائفة وهم أقلهم: ألم تعطوا هذا الرجل عهودكم ومواثيقكم باللَّه لا تعصونه شيئًا، وقد صدقكم في أول حديثه، فواللَّه ليصدقنكم في آخره، قال: فراح فيمن اتبعه، وتخلف بقيتهم، فبَدَرهم عدو، فأصبحوا بين أسير وقتيل" (١).

فصل

المثال الخامس للدنيا وأهلها.

ما مثلها به النبي كظل شجرة، والمرء مسافر فيها إلى اللَّه، فاستظلّ في ظلّ تلك الشجرة في يوم صائف ثم راح وتركها (٢).

فتأمل حسن هذا المثل ومطابقته للواقع سواء، فإنها في خضرتها كالشجرة، وفي سرعة انقضائها وقبضها شيئًا فشيئًا كالظلّ، والعبد مسافر إلى ربه، والمسافر إذا رأى شجرة في يوم صائف لا يحسن به أن يبني تحتها دارًا ولا يتخذها قرارًا، بل يستظلّ بها بقدر الحاجة، ومتى زاد على ذلك انقطع عن الرفاق.


(١) "ذم الدنيا" رقم (٨٨).
ورواه ابن المبارك في "الزهد" رقم (٥٠٧)، والرامهرمزي في "أمثال الحديث" رقم (٢٣).
(٢) سبق تخريجه ص (٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>