للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تاه فهام على وجهه حتى هلك.

فهذا مثال أهل الدنيا في اشتغالهم بحظوظهم العاجلة ونسيانهم موردهم وعاقبة أمرهم، وما أقبح بالعاقل أن تغرّه أحجار ونبات يصير هشيمًا قد شغل باله وعوّقه عن نجاته ولم يصحبه.

فصل

المثال الرابع لاغترار الناس بالدنيا وضعف إيمانهم بالآخرة.

قال ابن أبي الدنيا: أنبأنا إسحاق بن إسماعيل أنبأنا روح بن عبادة حدثنا هشام بن حسان عن الحسن قال: بلغني أن رسول اللَّه قال لأصحابه: "إنما مثلي ومثلكم ومثل الدنيا، كمثل قوم سلكوا مفازة غبراء (١)، حتى إذا لم (٢) يدروا ما سلكوا منها أكثر أم ما بقي، أنفدوا الزّاد وحَسَروا الظهر، وبقوا بين ظهراني المفازة لا زاد ولا حَمُولة، فأيقنوا بالهلكة، فبينما هم كذلك إذ خرج عليهم رجل في حلة يقطر رأسه، فقالوا: إن هذا قريب عهد بريف، وما جاءكم هذا إلا من قريب، فلما انتهى إليهم قال: يا هؤلاء علامَ أنتم؟ قالوا: على ما ترى، قال: أرأيتكم إن هديتكم إلى ماء رواء ورياض خضر، ما تجعلون لي؟ قالوا: لا نعصيك شيئًا. قال: عهودكم ومواثيقكم باللَّه، قال: فأعطوه عهودهم ومواثيقهم باللَّه لا يعصونه شيئًا، قال: فأوردهم ماء ورياضًا


(١) في الأصل: "غرّاء". والتصويب من النسخ الثلاث الأخرى، وهو كذلك في مصادر التخريج.
والمفازة الغبراء هي التي لا يهتدى إلى الخروج منها. انظر: "لسان العرب" (٥/ ٥).
(٢) ساقطة من الأصل، واستدركتها من النسخ الثلاث الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>