للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتوقف بعضهم في الجزيرة ينظر إلى أزهارها وأنوارها (١) العجيبة، ويسمع نغمات طيورها، ويعجبه حسن أحجارها، ثم حدّثته نفسه بفوت السفينة وسرعة مرورها وخطر ذهابها، فرجع فلم يصادف إلا مكانًا ضيقًا فجلس فيه.

وأكبّ بعضهم على تلك الحجارة المستحسنة والأزهار الفائقة فحمل منها حِمْلَه، فلما جاء لم يجد في السفينة إلا مكانًا ضيّقًا، وزاده ما حَمَلَه ضيقًا، فصار محموله ثقلًا عليه ووبالًا، ولم يقدر على نبذه، بل لم يجد من حمله بدًّا ولم يجد له في السفينة موضعًا، فحمله على عنقه وندم على أخذه فلم تنفعه الندامة، ثم ذبلت الأزهار وتغيّرت رائحتها وآذاه نتنها.

وتولّج بعضهم في تلك الغياض (٢) ونسي السفينة وأبعد في نزهته، حتى إن الملّاح نادى بالناس عند دفع السفينة فلم يبلغه صوته لاشتغاله بملاهيه، فهو تارة يتناول من الثمر، وتارة يشمّ تلك الأنوار، وتارة يُعجب من حسن الأشجار، وهو على ذلك خائف من سبع يخرج عليه، غير منفك من شوك يتشبّث بثيابه ويدخل في قدميه، أو غصن يجرح بدنه، أو عوسج (٣) يخرق ثيابه ويهتك عورته، أو صوت هائل يفزعه.

ثم من هؤلاء من لحق السفينة ولم يبقَ فيها موضع فمات على الساحل، ومنهم من شغله لهوه فافترسته السباع ونهشته الحيّات، ومنهم


(١) الأنوار جمع نَوْر، وهو الزهر، وقيل: النّوْر الأبيض، والزهر الأصفر. انظر: "لسان العرب" (٥/ ٢٤٣).
(٢) الغياض جمع غَيْضة، وهي الشجر الملتف. "لسان العرب" (٧/ ٢٠٢).
(٣) العَوْسج: شجر كثير الشوك. انظر: "لسان العرب" (٢/ ٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>