للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للدنيا، والآخر يكتسبها ويتصدق بها فقال: "التارك لها أحب إليّ" (١).

قالوا: وقد سُئل المسيح قبله عن هذه المسألة عن رجلين مرّ أحدهما بلبنة ذهب، فتخطاها ولم يلتفت إليها ومرّ بها الآخر، فأخذها وتصدّق بها، فقال: "الذي لم يلتفت إليها أفضل" (٢).

ويدل على هذا أن رسول اللَّه مرّ بها، فلم يلتفت إليها، ولو أخذها لأنفقها في سبيل اللَّه.

قالوا: والفقير الفقيه في فقره يمكنه (٣) لحاق الغنيّ في جميع ما ناله بغناه بنيته وقوله، فيساويه في أجره، ويتميز عنه بعدم الحساب على المال، فساواه في ثوابه، وتخلص من حسابه، كما تميز عنه بسبقه إلى الجنة بخمسمائة عام، وتميز عنه بثواب صبره على ألم الفقر وخصاصته.

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد اللَّه بن نمير حدثنا عبادة بن مسلم حدثني يونس بن خباب عن أبي البختري الطائي عن أبي كبشة قال: سمعت رسول اللَّه يقول: "ثلاث أقسم عليهن، وأحدثكم حديثًا فاحفظوه، فأما الثلاث التي (٤) أقسم عليهن: فإنه ما نقص مال عبد من


(١) رواه ابن المبارك في "الزهد" رقم (٥٦٤)، وأحمد في "الزهد" رقم (١٥٥٤)، وابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" رقم (١٥١)، أنه قيل له: رجلان طلب أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها، فوصل فيه رحمه وقدم فيها لنفسه، وجانب الآخر الدنيا، فقال: أحبّهما إليّ الذي جانب الدنيا".
ورواه أحمد في "الزهد" أيضًا رقم (١٥٤٣) بنحوه.
(٢) سبق هذا الأثر ص (٢١٥).
(٣) في الأصل: "يمكن"، والمثبت من النسخ الثلاث الأخرى.
(٤) في الأصل: "الذي"، والتصويب من النسخ الثلاث الأخرى، ومن المسند.

<<  <  ج: ص:  >  >>