وأخرجوا من بيننا ذا الثروة الجموع المنوع المتكاثر بماله المستأثر به، الذي قد عضّ عليه بناجذه، وثنى عليه خنصره، يفرح بزيادته ويأسى على نقصانه، فقلبه به مشغوف، وهو على تحصيله ملهوف، إن عرض سوق الإنفاق والبذل أعطى قليلًا وأكدى، وإن دعي إلى الإيثار أمعن في الهرب جدًّا.
وأخلصونا وإخواننا من سباق الطائفتين وسادات الفريقين الذين تسابقوا إلى اللَّه والدار الآخرة بإيمانهم وأحوالهم، ونافسوا في القرب منه بأعمالهم وأموالهم، فقلوبهم عاكفة عليه، وهمتهم المسابقة إليه، ينظر غنيُّهم إلى فقيرهم، فإذا رآه قد سبقه إلى عمل صالح شمّر إلى اللحاق به، وينظر فقيرهم إلى غنيهم فإذا رآه قد فاته بإنفاق في طاعة اللَّه أنفق هو من أعماله وأقواله وصبره وزهده نظير ذلك أو أكثر منه، فهؤلاء إخواننا الذين تكلم الناس في التفضيل بينهم وأيهم أعلى درجة، وأما أولئك فإنما ينظر أيهم تحت الآخر في العذاب وأسفل منه، واللَّه المستعان.
إذا عرف هذا، فقد مدح اللَّه سبحانه في كتابه أعمالًا، وأثنى على أصحابها، ولا تحصل إلا بالغنى، كالزكاة والإنفاق في وجوه البر، والجهاد في سبيل اللَّه بالمال، وتجهيز الغزاة، وإعانة المحاويج، وفكّ الرقاب، والإطعام في زمن المسغبة.
وأين يقع صبر الفقير من فرحة الملهوف المضطر المشرف على الهلاك إذا أعانه الغني ونصره على فقره ومخمصته؟
وأين يقع صبره من نفع الغني بماله في نصرة دين اللَّه وإعلاء كلماته