للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويتصدقون، قال: "أفلا أعلّمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ " قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: "تسبّحون، وتكبّرون، وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين"، فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول اللَّه فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول اللَّه : " ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ [الحديد: ٢١] " (١).

فلو كانوا يلحقونهم في مقدار الأجر بمجرد النية، لقال لهم: انووا أن تفعلوا (٢) مثل فعلهم فتنالوا مثل أجرهم، فلما أعاضهم عما فاتهم من ثواب الصدقة والعتق والحجّ والاعتمار، بتحصيل نظيره بالذكر، عُلم أن الأغنياء قد فضلوهم بالإنفاق، فلما شاركوهم في الذكر بقيت مزية الإنفاق، فشكوا إلى رسول اللَّه أن الامتياز لم يزل، وأنهم قد ساوونا في الذكر كما ساوونا في الصلاة والصوم، فأخبرهم أن ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء، فلو كان لهم سبيل إلى مساواتهم من كل وجه بالنية والقول لدلّهم عليه.

قالت الفقراء: هذا الحديث حجة لنا إذا فُهم على الحقيقة، وذلك أن معناه: أنهم وإن كانوا قد ساووكم في الإيمان والإسلام والصلاة والصيام، ثم فضلوكم بالإنفاق ففي التكبير والتسبيح والتهليل ما يلحقكم بدرجتهم، وقد ساويتموهم أيضًا بحسن النية، إذ لو أمكنكم لأنفقتم مثلهم.


(١) سبق تخريجه ص (٣٠١).
(٢) في الأصل: "تفعل"، والتصويب من النسخ الثلاث.

<<  <  ج: ص:  >  >>