للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودَينهم، فقال: "من ترك مالًا فلورثته، ومن ترك كلًّا فإليّ وعليّ" (١).

فرفع اللَّه سبحانه قدره أن يكون من جملة الفقراء الذين تحلّ لهم الصدقة، كما نزهه أن يكون من جملة الأغنياء الذين غناهم بالأموال الموروثة، بل أغناه به عن سواه، وأغنى قلبه كل الغنى، ووسّع عليه غاية السعة، فأنفق غاية الإنفاق، وأعطى أجل العطايا، وما استأثر بالمال، ولا اتخذ منه عقارًا ولا أرضًا ولا ترك شاة ولا بعيرًا ولا عبدًا ولا أمة ولا دينارًا ولا درهمًا.

فإذا احتجّ الغني الشاكر بحاله لم يمكنه ذلك إلا بعد أن يفعل فعله، كما أن الفقير الصابر إذا احتج بحاله لم يمكنه ذلك إلا بعد أن يصبر صبره ويترك الدنيا اختيارًا لا اضطرارًا، فرسول اللَّه وفى كل مرتبة من مرتبتي الفقر والغنى حقَّها وعبوديتها، وأيضًا فإن اللَّه سبحانه أغنى به الفقراء فما نالت أمّته الغنى إلا به، وأغنى الناس من صار به غيره غنيًّا.

قال عليّ بن رباح اللخمي: كنت عند مسلمة بن مخلد الأنصاري وهو يومئذ على مصر، وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص جالس معه، فتمثل مسلمة ببيت من شعر أبي طالب فقال: لو أن أبا طالب رأى ما نحن فيه اليوم من نعمة اللَّه وكرامته، لعلم أن ابن أخيه سيّد قد جاء بخير. فقال


(١) رواه البخاري في "صحيحه" رقم (٢٣٩٨)، ومسلم في "صحيحه" رقم (١٦١٩) (١٧) من حديث أبي هريرة بلفظ: "من ترك مالًا فلورثته، ومن ترك كلًّا فإلينا".
ورواه أبو داود في "سننه" رقم (٢٨٩٩ - ٢٩٠٠)، وابن ماجه في "سننه" رقم (٢٧٣٨)، كلاهما من حديث المقدام الكندي نحوه.

<<  <  ج: ص:  >  >>