والحرص، وهو ثلاثة أقسام: زهد في الحرام، وزهد في الشبهات والمكروه، وزهد في الفضلات.
فالأول: فرض.
والثالث: فضل.
والثاني: متوسط بينهما بحسب درجة الشبهة، فإن قويت التحق بالأول وإلا فبالثالث.
وقد يكون الثالث واجبًا بمعنى: أنه لا بدّ منه، وذلك لمن شمّر إلى اللَّه والدار الآخرة، فزهده في الفضلة يكون ضرورة، فإن إرادة الدنيا قادحة في إرادة اللَّه والدار الآخرة.
ولا يصح للعبد مقام الإرادة حتى يفرد طلبه ومطلوبه، فلا يتقسّم المطلوب ولا الطلب.
أما توحيد المطلوب: فأن لا يتعلّق طلبه وإرادته بغير اللَّه، وما يقرّب إليه ويدني منه.
وأما توحيد الطلب: فأن يستأصل الطلب والإرادة نوازع الشهوات وجواذب الهوى، وتسكن الإرادة في أقطار النفس فتملأها، فلا يدع فيها فضلًا لغير الانجذاب إلى جناب الحق ﷻ، فتمحض الإرادة له، ومتى تمحضت كان الزهد لصاحبها ضرورة، فإنه يفرغه لعمارة وقته وجمع قلبه على ما هو بصدده وقطع مواد طمعه التي هي من أفسد شيء للقلب، بل أصل المعاصي والفساد والفجور كله من الطمع.
فالزهد يقطع موادّه، ويفرغ البال، ويجلي القلب، ويستحث الجوارح، ويذهب الوحشة التي بين العبد وبين ربه، ويجلب الأنس به،