للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبصير والحي والملك وسائر أسمائه الحسنى من المخلوقين، وأن التفاوت الذي بين صبره سبحانه وصبرهم كالتفاوت الذي بين حياته وحياتهم، وعلمه وعلمهم، وسمعه وأسماعهم، وكذا سائر صفاته.

ولما علم ذلك أعرف خلقه به قال: "لا أحد أصبر على أذى يسمعه من اللَّه" (١).

فعِلمُ أرباب البصائر بصبره سبحانه كعلمهم برحمته وعفوه وستره، مع أنه صبر مع كمال علم وقدرة وعظمة وعزة، وهو صبر عن أعظم مصبور عليه، فإنّ مقابلة أعظم العظماء وملك الملوك وأكرم الأكرمين ومَن إحسانُه فوق كل إحسان، بغاية القبح وأعظم الفجور وأفحش الفواحش، ونسبته إلى كل ما لا يليق به، والقدح في كماله، وأسمائه وصفاته، والإلحاد في آياته، وتكذيب رسله ومقابلتهم بالسبّ والشتم والأذى، وتحريق أوليائه وقتلهم وإهانتهم = أمر لا يصبر عليه إلا الصبور الذي لا أحد أصبر منه، ولا نسبة لصبر جميع الخلق من أولهم إلى آخرهم إلى صبره سبحانه.

وإذا أردت أن ترف معرفة صبر الربّ تعالى وحلمه والفرق بينهما، فتأمل قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (٤١)[فاطر: ٤١]، وقوله: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (٨٩) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١)[مريم: ٨٨ - ٩١] وقوله: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦)[إبراهيم: ٤٦].


(١) سبق تخريجه قريبًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>