للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قراءة من فتح اللام (١).

فأخبر سبحانه أن حلمه ومغفرته يمنعان زوال السماوات والأرض، فبالحلم أمسكهما، وإمساكهما أن تزولا بكفر بني آدم هو الصبر، فبحلمه صبر عن معاجلة أعدائه.

وفي الآية إشعار بأن السماوات والأرض تهم وتستأذن بالزوال لعظم ما يأتي به العباد، فيمسكها بحلمه ومغفرته، وذلك حبسُ عقوبَتِه عنهم، وهو حقيقة صبره تعالى، فالذي صدر عنه الإمساك هو صفة الحلم، والإمساكُ هو الصبرُ وهو حبس العقوبة، ففرق بين حبس العقوبة وبين ما صدر عنه حبسها، فتأمله.

وفي "مسند" الإمام أحمد مرفوعًا: "ما من يوم إلا والبحر يستأذن ربه أن يغرق بني آدم" (٢).

وهذا هو مقتضى الطبيعة؛ لأن كرة الماء تعلو كرة التراب بالطبع، ولكن اللَّه سبحانه يمسكه بقدرته وحلمه وصبره، وكذلك خرور الجبال وتفطر السماوات، الربّ تعالى يحبسها عن ذلك بصبره وحلمه، فإن ما يأتي به الكفار والمشركون والفجار (٣) في مقابلة العظمة والجلال


(١) فتح اللام الأولى وضم الثانية هكذا ﴿لِتَزُولَ﴾. وهي قراءة الكسائي.
فتكون اللام الأولى للتوكيد، كما تقول: إن زيدًا لَيقولُ. انظر: السبعة في القراءات ص ٣٦٣، وحجة القراءات ص ٣٧٩.
(٢) رواه أحمد في "مسنده" (١/ ٤٣)، عن عمر بن الخطاب عن رسول اللَّه قال: "ليس من ليلة إلا والبحر يشرف فيها ثلاث مرات على الأرض يستأذن اللَّه في أن ينفضح عليهم، فيكفّه اللَّه ﷿".
وضعفه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" رقم (٣٧).
(٣) في الأصل: "والكفار"، والتصويب من النسخ الثلاث الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>