للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين عباده ويشكره بفعله، فإذا ترك له شيئا أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئا رده عليه أضعافًا مضاعفة، وهو الذي وفقه للترك والبذل، وشكره على هذا وهذا.

ولما عقر نبيه سليمان الخيل غضبًا له إذ شغلته عن ذكره (١)، فاراد ألا تشغله مرة أخرى، أعاضه عنها متن الريح.

ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته، أعاضهم منها أن أملكهم الدنيا، وفتحها عليهم.

ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن له، شكر له ذلك بأن مكّنه في الأرض يتبوّأ منها حيث يشاء (٢).

ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزّقها أعداؤه، شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرًا خضرًا أقرّ أرواحهم فيها ترد أنهار الجنّة وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث (٣)، فيردُّها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه.

ولما بذل رسله أعراضهم فيه لأعدائهم، فنالوا منهم وسبّوهم، أعاضهم من ذلك أن صلى عليهم هو وملائكته، وجعل لهم أطيب الثناء


(١) قال اللَّه تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (٣١) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (٣٢) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ (٣٣) وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (٣٤)﴾ [ص: ٣٠ - ٣٤].
(٢) قال اللَّه تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)﴾ [يوسف: ٥٦].
(٣) روى مسلم في "صحيحه" رقم (١٨٨٧) عن عبد اللَّه بن مسعود مرفوعا: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل. . . " الحديث.

<<  <  ج: ص:  >  >>