للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأمل قوله سبحانه: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (١٤٧)[النساء: ١٤٧] كيف تجد في ضمن هذا الخطاب أنّ شكره تعالى يأبى تعذيب عباده سُدى بغير جرم، كما يأبى إضاعة سعيهم باطلًا.

فالشكور لا يضيع أجر محسن ولا يعذب غير مسيء، وفي هذا ردٌّ لقول من زعم أنه يكلف عبده ما لا يطيقه، ثم يعذبه على ما لا يدخل تحت قدرته، تعالى اللَّه عن هذا الظنّ الكاذب والحسبان الباطل علوًّا كبيرًا.

فشُكره سبحانه اقتضى أن لا يعذب المؤمن الشكور ولا يضيع عمله، وذلك من لوازم هذه الصفة، فهو منزه عن خلاف ذلك كما ينزّه عن سائر العيوب والنقائص التي تنافي كماله وغناه وحمده.

ومن شُكْره سبحانه أنه يُخرج العبد من النار بأدنى أدنى مثقال ذرّة من خير (١)، فلا يضيع عليه هذا القدر.

ومن شكره أن العبد من عباده يقوم له مقامًا يرضيه بين الناس فيشكره له، وينوه بذكره، ويخبر به ملائكته، وعباده المؤمنين (٢)، كما شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام، وأثنى به عليه، ونوّه بذكره بين


(١) روى ذلك البخاري في "صحيحه" رقم (٧٥١٠)، ومسلم في "صحيحه" رقم (١٩٣) (٣٢٦)، كلاهما من حديث أنس بن مالك .
(٢) روى البخاري في "صحيحه" رقم (٧٤٥٥)، ومسلم في "صحيحه" رقم (٢٦٧٥)، عن أبي هريرة قال: قال النبي : "يقول اللَّه تعالى: أنا عند ظن عبدي بي. . . " الحديث، وفيه: "وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>