للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شرَدَت في كل مذهب.

وحُفِظَ مِن خُطَبِ الحجّاج: "اقدعوا هذه النفوس؛ فإنها طُلَعَةٌ إلى كلّ سوء، فرحم اللَّه امرأ جعل لنفسه خطامًا وزمامًا؛ فقادها بخطامها إلى طاعة اللَّه، وصرفها بزمامها عن معصية اللَّه، فإن الصبر عن محارم اللَّه أيسرُ من الصبر على عذابه" (١).

قلت: والنفس فيها قوّتان: قوة الإقدام، وقوة الإحجام، فحقيقة الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى ما ينفعه، وقوة الإحجام إمساكًا عما يضره.

ومن الناس من يكون صبره (٢) على فعل ما يُنتفع به وثباته عليه أقوى من صبره عما يضره، فيصبر على مشقة الطاعة، ولا صبر له عن داعي هواه إلى ارتكاب ما نُهِيَ عنه.

ومنهم من تكون قوة صبره عن المخالفات أقوى من صبره على مشقة الطاعات.

ومنهم من لا صبر له على هذا ولا على هذا.

وأفضل الناس أصبرُهم على النوعين؛ فكثير من الناس يصبر على مكابدة قيام الليل في الحر والبرد وعلى مشقة الصيام، ولا يصبر عن نظرة محرمة.


(١) لم أقف عليها هكذا، وذكر نحوها المبرد في "الكامل" (١/ ١٦٠)، والزمخشري في "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" (٣/ ٢٩١).
وقال المبرد: "اقدعوا" يُقال: قَدَعْتُه عن كذا، أي: منعته عنه.
(٢) كذا في الأصل و (ب). وفي (م) و (ن): "تكون قوة صبره".

<<  <  ج: ص:  >  >>