للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكثير من الناس تكون قوة صبره في النوع الذي شاركه فيه البهائم لا في النوع الذي يختصُّ بالإنسان، فيُعد صابرًا وليس من الصابرين.

فإن قيل فهل يشارك الجنُّ الإنسَ في هذا الصبر؟.

قيل: نعم هذا من لوازم التكليف، وهو مَطيّةُ (١) الأمر والنّهي، والجن مكلفون بالصبر على الأوامر، والصبر عن المناهي، كما كُلّفنا نحن بذلك.

فإن قيل: فهل هم مكلَّفون على الوجه الذي كُلّفنا نحن به أم على وجه آخر؟

قيل: ما كان من لوازم النفوس: كالحب والبغض والإيمان والتصديق والموالاة والمعاداة فنحن وهم مستوون فيه، وما كان من لوازم الأبدان: كغسل الجنابة وغسل الأعضاء في الوضوء والاستنجاء والختان وغسل الحيض ونحو ذلك، فلا يجب مساواتهم لنا (٢) في كيفيته، وإن تعلَّق ذلك بهم على وجه يناسب خلقهم وهيئاتهم.

فإن قيل: فهل تشاركنا الملائكة في شيء من أقسام الصبر؟

قيل: الملائكة لم يُبتلوا بهوى يُحارب عقولهم ومعارفهم، بل العبادة والطاعة لهم كالنَّفَس لنا، فلا يُتصور في حقِّهم الصبر الذي حقيقته ثبات باعث العقل والدين في مقابلة باعث الشهوة والهوى (٣)، وإن كان لهم صبر يليق بهم، وهو ثباتُهم وإقامتُهم على ما


(١) ما عدا الأصل: "مظنة".
(٢) في الأصل: "لها". والتصويب من النسخ الثلاث الأخرى.
(٣) وهذا تعريف الغزالي للصبر في "إحياء علوم الدين"، كما سبق.

<<  <  ج: ص:  >  >>