للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُلِقوا له من غير منازعةِ هوى أو شهوة أو طبع.

فالإنسان منا إذا غَلب صبرُه باعثَ الهوى والشهوة التحق بالملائكة، وإن غلب باعثُ الهوى والشهوة صبرَه التحق بالشياطين، وإن غلب باعثُ طبعه من الأكل والشرب والجماع صبرَه التحق بالبهائم.

قال قتادة: "خلق اللَّه سبحانه الملائكة عقولًا بلا شهوات، وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الإنسان وجعل له عقلًا وشهوة، فمن غلب عقلُه شهوتَه فهو مع الملائكة، ومن غلبت شهوتُه عقلَه فهو كالبهائم" (١).

ولما خُلق الإنسانُ في ابتداء أمره ناقصًا لم تُخلق فيه إلا شهوة الغذاء الذي هو محتاج إليه، فصبره في هذه الحال بمنزلة صبر البهائم، وليس له قبل تمييزه قوة صبر الاختيار.

فإذا ظهرت فيه شهوة (٢) اللّعب استعد لقوة الصبر الاختياري على ضعفها فيه.

فإذا تعلقت به شهوةُ النكاح ظهرت فيه قوةُ الصبر.

فإذا تحرك سلطانُ العقل وقوي، أُعِين بجيش الصبر، ولكن هذا السلطانَ وجندَه لا يستقلان بمقاومة سلطان الهوى وجنده؛ فإن إشراق


(١) لم أجده مسندًا ولا من ذكره عن قتادة. وقد ذكره المصنف في "مدارج السالكين" (٢/ ٣٥٢) معزوًّا لبعض السلف.
وذكره ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (٤/ ٣٥١) بنحوه فقال: "وهذا الذي يُقال: الملائكة لهم عقول. . . " الخ.
(٢) ساقطة من الأصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>