الجمهور وعامة أهل العلم على جواز الجمع تقديماً وتأخيراً، الأوزاعي يرى التأخير دون التقديم، والحنفية يقولون: لا جمع، لا جمع حقيقي، بمعنى أن الصلاتين تصليان في وقت إحداهما، وإنما ما وردت به النصوص هو جمع صوري وليس بحقيقي، بمعنى أنها تؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، بحيث إذا فرغ منها أقيم للصلاة الثانية، وقد دخل وقتها، ففي الظاهر في الصورة الصلاتين مجموعتان، لكن في حقيقة الأمر الظهر في وقتها، والعصر في وقتها، المغرب في وقتها، والعشاء في وقتها، لكن هل هذا يناسب ما شرعت الرخص من أجله؟ هل مثل هذا القول يناسب ما شرعت الرخص من أجله؟
يعني ملاحظة أوائل الأوقات وأواخر الأوقات هذا أمر في غاية المشقة يعسر على خواص الناس فكيف بعوامهم؟ يعني لو أن الناس كلفوا بهذا أو طلب منهم هذا أيهما أفضل تصلى الصلاة في وقتها الواسع من أوله إلى آخره، والثانية في وقتها المتسع من أوله إلى آخره، أو يكلف بأن يراقب؟ بأن يراقب أوائل الأوقات وأواخرها؟ لا شك أن هذا في غاية المشقة، ولذا القول به ضعيف، ومناف لما شرعت الرخص من أجله.
عرفنا فيما تقدم أن القصر بالنسبة للمسافر أفضل، والجمع بالنسبة له مفضول، يعني التوقيت أفضل؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قصر في مكة، وفي منى وفي .. ، لكن الجمع يصلي كل صلاة في وقتها، جمع في عرفة، ومزدلفة لحكمة معروفة، وهي أن يطول الوقت معه للذكر والدعاء، ويستعد لما أمامه من مناسك.
على كل حال الجمع عند عامة أهل العلم جائز، لكنه ليس أفضل من التوقيت.
منهم من يمنع الجمع إلا إذا جد به السير، فلا يجمع وهو نازل، لكن ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع وهو نازل، في غزوة تبوك، فكان يجمع وهو نازل، فهذا دليل للجمهور على أن الجمع يجوز مطلقاً، سواءً كان قد جد به السير أو لا، وسواء كان تقديماً أو تأخيراً، نعم؟