وجاء فيه حديث جرهد عند أحمد وغيره:((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وجاء فيه أيضاً حديث أنس: "حسر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فخذه" وهذا في الصحيح، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يقول: حديث جرهد أحوط، وحديث أنس أسند، يعني أقوى إسناداً، فإذا تعارض مثل هذا الحديث الأقوى مع ما دونه في القوة من وجه، وأيضاً أحدهما فعل والثاني قول، أحدهما فعل والفعل لا عموم له، والقول يعم، ولو خوطب به شخص فإنه يعم، والفعل لا عموم له عند أهل العلم، وحديث أنس لا شك أنه أقوى؛ لأنه في الصحيح أسند أقوى إسناداً، حديث جرهد في المسند وبعض السنن أحوط، يعني تغطية الفخذ والتنصيص على أنه عورة أحوط من كشفها.
بعضهم يسلك للتوفيق بين الحديثين مسلكاً وهو أنه يحمل فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخصوصية، والأمر لجرهد ولغيره من الأمة، فيكون الكشف خاصاً بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن هل هذا سائغ وإلا غير سائغ؟ يعني في نظائر كثيرة لمثل هذه المسألة يحملون الفعل على الخصوصية، والأمر للعموم، وسائغ أيضاً ومقبول عند أهل العلم في مثل هذا، لكن إذا نظرنا إلى مثل هذه المسألة بخصوصها، أو استقبال النبي -عليه الصلاة والسلام- كما تقدم القبلة أو استدباره القبلة بالبول والغائط، وقلنا: هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، والنهي عام لغيره، نقول: إن كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، يعني هل يتصور أن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق وأخشاهم وأتقاهم لله وأشدهم تعظيماً لحرمات الله، تعظيماً لشعائر الله، نقول: يفعل ذلك! يستقبل القبلة أو يستدبر القبلة ببول أو غائط، وغيره ممن هو دونه في المنزلة لا يجوز له ذلك، أو نقول: له أن يكشف الفخذ ولغيره أن لا يكشف؟ يعني أيهما أكمل؟ التغطية أكمل بلا شك، فالكمال يطلب له -عليه الصلاة والسلام- لأنه الأكمل، ورجحه بعض الشراح، مثل هذا الجمع يرجحه بعض الشراح طرداً لمثل هذا التعارض إذا حصل بين القول والفعل يحمل الفعل على الخصوصية، والقول على أنه لغيره -عليه الصلاة والسلام-.