الله، فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي لي، أفلا جَلَس في بيت أبيه وأُمِّه حتى تأتي هديَّتُه إن كان صادقًا، والله لا يأخذ أحدكم شيئًا بغير حقَّه إلا لقيَ اللهَ يَحْمِلُه يومَ القيامة ... " الحديث.
فوجه الدلالة: أن الهدية عطيَّة يُبْتَغَى بها وجهُ المعطي وكرامتُه، فلم ينظر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى ظاهر الإعطاء قولًا وفعلًا، ولكن نظر إلى قصد المعطين ونياتهم، التي تُعْلَم بدلالةِ الحال، فإن كان الرجل بحيث لو نُزِع عن تلك الولاية أُهدي له تلك الهدية، لم تكن الولاية هي الداعية للناس إلى عطيَّتِه، وإلا فالمقصود بالعطيَّة إنما هي ولايته؛ إما ليكرمهم فيها أو يخفف عنهم، أو يقدمهم على غيرهم، أو نحو ذلك، فاعتبر - صلى الله عليه وسلم - قصدَهم، فكان هذا أصلًا في اعتبار المقاصد ودلالات الحال في العقود، وهو المطلوب.
وهذا الحكم الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلٌ عظيم في كل من أخذ شيئًا أو أعطاه تبرُّعًا لشخص أو معاوضة بشيءٍ في الظاهر وهو في القصد والحقيقة لغيره، فإنه يقال: هلَّا تركَ ذلك الشيء الذي هو المقصود، ثم ينظر هل يكون ذلك الأمر إن كان صادقًا. فيقال في جميع العقود الربوية - إذا كانت خداعًا - مثل ذلك، كما ذكرناه.
(١٦٤/ ب) وهذا الأصل لكل من بذل لجهةٍ لولا هي لم يبذله، فإنه يَجْعل تلك الجهة هي المقصودة بذلك البذل، فيكون المال لربِّ تلك الجهة، إن حلالًا فحلال وإلا فحرام (١).
(١) "الأصل": "حرام"، و"الإبطال": "وإلا كانت حرامًا"، والمثبت من (م).