للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن احتيالهم: لمَّا حرَّم اللهُ عليهم أكلَ الشحوم، تأوَّلوا أن المراد نفس إدخاله الفم، وأن الشحمَ هو الجامد، فجملوه فباعوه وأكلوا ثمنه. وقالوا: ما أكلنا الشحم، ولم ينظروا في أن الله إذا حرَّم شيئًا فلا فرق بين الانتفاع بعينه أو ببدله، إذ البَدَل يسدُّ مسدَّه، ولا فَرْق بين حال جموده وذَوْبه، وهذا هو:

الوجه التاسع: وهو ما روى ابنُ عباس قال: بلغ عمر أن فلانًا باع الخمر، فقال: قاتل الله فلانًا، ألم يعلم أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "قاتلَ اللهُ اليهودَ حُرِّمت عليهم الشحومُ فجملُوها فباعُوها" متفق عليه (١).

قال الخطَّابي (٢): جملوها: أذابوها حتى تصير ودكًا ويزول عنها اسم الشحم.

قال الإمام أحمد (٣): هذه الحِيَل التي وضعها هؤلاء فلانٌ وأصحابُه، عَمَدوا إلى السنن فاحتالوا في نقضها.

وقال الخطَّابي: في هذا الحديث بطلان كل حيلة، وأنه لا يتغيَّر الحكمُ بتغيُّرِ الاسم وتبديله باسمٍ آخر.

فوَجْه الدلالة: أنهم احتالوا على الانتفاع بالشحم على وجهٍ


(١) أخرجه البخاري رقم (٢٢٢٣)، ومسلم رقم (١٥٨٢).
(٢) في "معالم السنن": (٣/ ٧٥٧ - بهامش سنن أبي داود)، وانظر: "أعلام الحديث": (٢/ ١١٠٠، ٣/ ١٥٦٦) له.
(٣) في رواية صالح ٢/ ٤٨٦ و ٣/ ١٣٠، كما في "الإبطال": (ص/٥٨) وقد ذكر رواية صالح بالمعنى وجعل لفظ الميموني لهما جميعًا. ورواية أبي الحارث كما في "إبطال الحيل": (ص/ ٥٢) لابن بطة.

<<  <   >  >>