أفْضَت إلى فعلِ محرَّمٍ، ولو تجرَّد عن ذلك الإفضاء لم يكن فيها مفسدة، ولهذا قيل: الذريعةَ الفعل الذي ظاهره الإباحة وهو وسيلة إلى فِعل المحرَّم.
ثم هذه الذرائع إذا كانت تفضي إلى المحرَّم غالبًا، فإنه يحرَّمها مطلقًا، وكذلك إن كانت قد تفضي وقد لا تُفْضي، لكن الطبعُ متقاضٍ لإفضائها.
وأما إن كانت إنما تُفضي أحيانًا، فإن لم يكن فيها مصلحة راجحة على هذا الإفضاء القليل وإلا حرَّمها - أيضًا - فقد حرَّم الشارعُ الذرائعَ وإن لم يُقْصَد بها المحرم، خشيةَ إفضائها إلى المحرَّم، فإذا قُصِد بالشيء نفس المحرَّم كان أولى بالتحريم من الذرائع، وبهذا تظهرُ علةُ التحريم في مسائل العِينة وأمثالها، وإن لم يقصد البائع الرِّبا؛ لأن هذه المعاملة يغلب فيها قَصْد الربا، فيصير ذريعة، فيسد هذا الباب.
وللشريعة أسرار في سدِّ الفساد وحَسْم مادة الشر؛ لِعِلْم الشارع بما خَفِيَ على النفوس من خَفِيِّ هواها الذي لا يزال يسري فيها حتى يقودها إلى الهَلَكة، فمن تَحَذْلَق على الشارع وقال في بعض المحرمات: إنما حرَّمها لعِلَّةِ كذا، وهي مفقودة هنا، فاستباح ذلك بهذا التأويل؛ فهو ظلوم لنفسه جهول بأمر ربِّه.
وهذا إن نجى من الكفر لم ينج غالبًا من بدعة أو فسق، أو قِلَّة فقه في الدين وعدم بصيرة، وشواهد هذه القاعدة أكثر من أن تُحْصَر، فنذكُر بعض ما يَحْضر: