قال أيوب السختياني - وناهيك به - في هؤلاء المحتالين: يخادعون الله كأنما يُخادعون الصِّبيان، فلو أتوا الأمرَ على وجهه عيانًا كان أهون عَلَيَّ.
وقال شَريك في "كتاب الحِيَل": هو كتاب المخادعة.
فالمعاهدون [إذا] أظهروا للرسول أنهم يريدون سِلْمه ومقصودهم المكر به من حيث لا يشعر، بأن يظهروا الأمان وهم يعتقدون أنه ليس بأمان، فقد ابطنوا خلافَ مقصود المعاهدة، كما يُظْهِر (١٤٧/ ب) المحلِّل للمسلمين وللمرأة أنه إنما يريد نكاحها وأنه راغبٌ فيها، ومقصوده طلاقها بعد استفراشها، لا ما هو مقصود النكاح، بل عكس ذلك، فَعُلِم أن مخالفة ما يدلُّ عليه العقد لفظًا أو عرفًا خديعة، وأنه حرام.
وتلخيص هذا الوجه: أن مخادعة الله حرام، والحِيل مخادعة، وقد سمَّى ابنُ عباس وغيره ذلك مخادعة - كما تقدم -، والرجوع إليهم في معاني الألفاظ متعيِّن، سواء كانت لغوية أو عرفية أو شرعية.
الوجه الثاني: قوله - سبحانه - لما قال المنافقون: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (١٤)}: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥)} [البقرة: ١٥]، وقوله:{وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا}[البقرة: ٢٣١]، بعد أن ذكر الطلاق والرجعة والخلع والنكاح المحلِّل والنكاح بعده، وغير ذلك، إلى غيره من المواضع؛ فيه دليلٌ على أن الاستهزاء