للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحرف "إن" في لسان العرب لما يمكن وقوعه وعدمه، فأما ما يقع لازمًا أو غالبًا، فيقولون فيه: "إذا"، كقولهم: إذا احمرَّ البسرُ فاتني، ولا يقولون: إنِ احمرَّ؛ لأن الاحمرار واقع. فقوله: "فإن طلَّقها" يُعلم منه أن ذلك النكاح المتقدِّم نكاحٌ يقع فيه الطلاق تارة ولا يقع أخرى، ونكاح المحلِّل يقع فيه لازمًا أو غالبًا، وإنما يقال في مثله: "فإذا".

ولا يقال: فالآيةُ عمَّت كلَّ نكاحٍ، فقيل: "فإن ... ".

لأنا نقول: لو أراد ذلك لقال: "فإن فارقها"؛ لأنه قد يموت عنها، وقد يفارقها بفسخ، لكن هذه الأشياء ليست في يد الزوج، إنما بيده الطلاق، فلهذا قيل: "فإن" [فـ]ـدلّ على أنَّه نكاح رغبة قد تطلق وقد لا تطلق، لا نكاح دُلسة يستلزم وقوعَ الطلاق إلا نادرًا.

يبيِّنُ هذا: أن الغايةَ المؤقَّتة بـ "حتى" تدخل في حكم المحدود المُغَيَّا، لا نعلم بين أهل اللغة خلافًا فيه، وإنما اختلفَ الناسُ في الموقّت بحرف "إلى".

قوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} يقتضي أنها لا تحلُّ حتى يوجد الغاية، وهو نكاح زوجٍ غيره، فلما قال بعده: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} علم أن فيه فائدة جديدة، وهو - والله أعلم - التنبيه على أن ذلك الزوج موصوف بجواز التطليق وعدم جوازه.

وتأمل قوله - تعالى -: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البقرة: ٢٢٢]، لما كان التطهُّر فعلًا مقصودًا جيء فيه بحرف التوقيت وهو "إذا"، ولما كان الطلاق غير مقصود جيء فيه

<<  <   >  >>