٣ - قرر القرآن أن الكون خادم الإنسان مسخّر له، وأثبتت العلوم الحديثة ما قرره القرآن، والتاريخ الإسلامي لم يعرف الانفصال بين عالم الدين وعالم الطبيعيات، فابن النفيس مثلا عالم الضوء كان إماما في الفقه الشافعي يقتدى به، وغيره كثيرون، فليس هناك تباين بين الدين والعلم، بل كثيرا ما قد نجد عالم الدين عالما كونيا وعالم الكون عالما دينيا، فلا عداء بين الإسلام والعلوم الكونية قديمها وحديثها لأن الكون في مفهوم القرآن مسخّر كما بينا للإنسان، بخلاف ما ساد في أوربة حتى عهد قريب من أن الإنسان وجد في جو معاد له وأن الكون يصارع الإنسان.
وقد أثبتت الأبحاث العلمية المتقدمة أن هذا الكون خادم للإنسان، وأن مجال انتفاع الإنسان منه لا يمكن أن يحيط به الحصر، بل يخضع لمدى قدرة الإنسان على الانتفاع منه، وذلك ما أشار إليه القرآن في مواطن كثيرة كقوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وقوله: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ...
فقد عبّر القرآن تعبيرا دقيقا عن العلاقة بين الكون والإنسان في هذه الكلمة سَخَّرَ بكل ما فيها من معاني استمرار الخدمة، فكان هذا الموقف من القرآن الكريم تقريرا لقاعدة العلم الأساسية ومنطلقا للعلماء في أبحاثهم.
٤ - إن القرآن تكلم عن حقائق الكون ولم يتبنّ نظريات علمية، لكنه تكلم ولفت النظر إلى ما في الكون من عجيب الصنع وكان هدفه الاستنباط والاستدلال على المكون
الخالق والامتنان على الناس بما أنعم الله عليهم.
وهذان الغرضان متلازمان مع الهدف الذي من أجله جاء القرآن، فالمنّة والإنعام تستدعي الشكر والطاعة والتقرب إلى الله تعالى.