[الرابعة والخمسون تحريف الكلم عن مواضعه وَلَيُّ الألسنة بالكتاب]
الرابعة والخمسون تحريف الكلم عن مواضعه، وَلَيُّ الألسنة بالكتاب قال تعالى في سورة " آل عمران "[٧٨] : {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: ٧٨]
رُوِيَ أن الآية نزلت في اليهود والنصارى جميعا، وذلك أنهم حرفوا التوراة والإنجيل، وألحقوا بكتاب الله تعالى ما ليس منه.
واختلف الناس في أن المحرف هل كان يكتب في التوراة أم لا؟ فذهب جمع إلى أنه ليس في التوراة سوى كلام الله تعالى، وأن تحريف اليهود لم يكن إلا تغييرا وقت القراءة، وتأويلا باطلا للنصوص، وأما أنهم يكتبون ما يرومون في التوراة على تعدد نسخها فلا.
واحتجوا لذلك بما رُوِيَ أن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى لم يُغَيَّرْ منهما حرف، ولكنهم يُضِلون بالتحريف والتأويل وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم، ويقولون: إن ذلك من عند الله، وما هو من عند الله، فأما كتب الله تعالى فإنها محفوظة لا تُحَوَّلُ.
وبأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم «كان يقول لليهود إلزاما لهم: " ائتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين» ، وهم يمتنعون عن ذلك، فلو كانت مغيرة إلى ما يوافق مرامهم ما امتنعوا، بل وما كان يقول لهم ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنه يعود على مطلبه الشريف بالإبطال.
وذهب آخرون إلى أنهم بدلوا، وكتموا ذلك في نفس كتابهم، واحتجوا على ذلك بكثير من الظواهر.