للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الثامنة والستون دعاؤهم الناس إلى الضلال بغير علم]

الثامنة والستون دعاؤهم الناس إلى الضلال بغير علم (١) .

[التاسعة والستون دعاؤهم الناس إلى الكفر مع العلم]

التاسعة والستون دعاؤهم الناس إلى الكفر مع العلم (٢) .


(١) كفعل النصارى، فإنهم لا علم عندهم، ومع ذلك يدعون إلى باطلهم، ويتعصبون له، وكأنه هو الحق، ولئن جاءهم كتاب من الله على لسان نبيهم عيسى عليه السلام، فإنه لم يلبث أن حُرِّف وغُيِّر وبُدِّل، ولأهل الضلال من الفرق الإسلامية في عصرنا من هذه الخصلة الجاهلية حظ وافر، ونصيب كامل، و "من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون" [الأعراف: ١٨٦] ، فتراهم - مع انحرافهم عن الكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة رضوان الله عليهم - ينشطون في بث باطلهم ودعاتهم شرقا وغربا، وينفقون على ذلك الأموال الطائلة.
وتجدهم مع ذلك متحمسين لباطلهم، مدافعين عنه، داعين الناس إليه، مع جهلهم بمنهج الفرقة الناجية، ألا وهي التي تكون كما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه. والله الموفق.
(٢) هذا كفعل يهود ومشركي قريش وفرعون، أما اليهود فإنهم يعلمون من كتبهم صدق نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك يدعون الناس إلى مخالفته والكفر به، وتكذيبه، كما قال تعالى: "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق" [البقرة: ١٠٩] ، وقال تعالى: "يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون" [آل عمران: ٧١] ، وقال تعالى: "قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون" [آل عمران: ٩٩] .
أما مشركي قريش فقد كفروا عنادا ومكابرة، وتجرؤوا إلى أن دعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكفر بالله، وذلك بأن يعبد ما يعبدون، ويعبدون ما يعبد.
فعن ابن عباس: أن قريشا وعدوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعطوه مالا؛ فيكون أغنى رجل بـ (مكة) ، ويزوجوه ما أراد من النساء، ويطؤوا عقبه، فقالوا له: هذا لك عندنا يا محمد، وكف عن شتم آلهتنا، فلا تذكرها بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة، فهي لك ولنا فيها صلاح. قال: " ما هي؟ " قالوا: تعبد آلهتنا سنة: اللات والعزى، ونعبد إلهك سنة. قال: " حتى أنظر ما يأتي من عند ربي ". فجاء الوحي من اللوح المحفوظ: "قل يا أيها الكافرون" السورة، وأنزل الله: "قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون" إلى قوله: "بل الله فاعبد وكن من الشاكرين" [الزمر: ٦٤ - ٦٦] أخرجه ابن جرير (٣٠ / ١ ٣٣) ، وابن أبي حاتم، والطبراني كما في " الدر المنثور " (٦ / ٤٠٤) ، وإسناده حسن. كذا في صحيح السيرة النبوية (ص ٢٠٧) .
وكذلك فعل فرعون، فإنه دعا قومه إلي الكفر بالله وبرسوله مع علمه بصدق موسى عليه السلام، قال تعالى: "وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" [النمل: ١٤] ، وقال له موسى عليه السلام: "لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبورا" [الإسراء: ١٠٢] ، لكنه استمر على كفره وإضلاله غيره مع يقينه بصدق موسى عليه السلام "وأضل فرعون قومه وما هدى" [طه: ٧٩] ، وكذب على قومه في قوله: "ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" [غافر: ٢٩] .
ومشابهوهم في هذا العصر كثير، وذلك أن أغلب دعاة الضلالة يعلمون أن الحق هو ما عليه المتمسكون بمنهاج الفرقة الناجية، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، ويستيقنون ذلك، ومع ذلك يدعون الناس إلى خلافه، ويشككونهم فيه؛ حسدا من عند أنفسهم، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان.

<<  <   >  >>