للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[السادسة والثلاثون مسبة الدهر]

السادسة والثلاثون مسبة الدهر كقولهم في سورة " الجاثية " [٢٤] : {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: ٢٤]

وذلك أن الله تعالى أراد بيان أحكام ضلالهم، والختم على سمعهم وقلوبهم، وجعل غشاوة على أبصارهم، فحكى عنهم ما صدر عنهم بقوله سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا} [الجاثية: ٢٤] التي نحن فيها {نَمُوتُ وَنَحْيَا} [الجاثية: ٢٤] أي: تموت طائفة، وتحيا طائفة، ولا حشر أصلا.

ومنهم من قال: إن كثيرا من عُبَّاد الأصنام كان يقول بالتناسخ، وعليه فالمراد بالحياة: إعادة الروح لبدن آخر.

{وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} [الجاثية: ٢٤] أي: طول الزمان.

وإسنادهم الإهلاك إلى الدهر إنكار منهم لِمَلَك الموت وقبضه الأرواح بأمر الله تعالى، وكانوا يسندون الحوادث مطلقا إليه؛ لجهلهم أنها مقدرة من عند الله تعالى، وأشعارهم لذلك مملوءة من شكوى الدهر (١) .

وهؤلاء معترفون بوجود الله تعالى، فهم غير الدهرية، فإنهم - مع إسنادهم الحوادث إلى الدهر - لا يقولون بوجوده، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا.


(١) جاء في حاشية الأصل ما نصه: " مثل قولهم:
أَشَابَ الصَّغِيرَ وَأَفْنَى الْكَبِيرَ ... كَرُّ الْغَدَاةِ وَمَرُّ الْعَشِيِّ
ومثل قول الآخر:
منع البقاء تقلب شمس ... وطلوعها من حيث لا تمسي
وقول الآخر:
رماني الدهر بالأرزاء حتى ... فؤادي في غشاء من نبال
وكنت إذا أصابتني سهام ... تكسرت النصال على النصال
والشعر في ذلك قديما وحديثا كثير.

<<  <   >  >>