للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التاسعة الاستدلال على المطلوب والاحتجاج بقوم أُعْطوا من القوة في الفهم والإدراك وفي القدرة والْمُلْك ظَنًّا أن ذلك يمنعهم من الضلال]

فرد الله تعالى ذلك عليهم بقوله سبحانه في " الأحقاف " [٢٤ - ٢٦] : {فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ - تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ - وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: ٢٤ - ٢٦]

ومعنى الآية: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ} [الأحقاف: ٢٦] أي: قوَّيْنا عادا وأقدرناهم، و " ما " في قوله تعالى: {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ} [الأحقاف: ٢٦] موصولة أو موصوفة، و " إن " نافية أي: في الذي، أو في شيء ما مكناكم فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادي التصرفات، كما في قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} [الأنعام: ٦] ولم يكن النفي بلفظ " ما " كراهة لتكرير اللفظ، وإن اختلف المعنى، {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً} [الأحقاف: ٢٦] ليستعملوها فيما خلقت له، ويعرفوا بكل منها ما نِيطَتْ به معرفته من فنون النعم، ويستدل بها على شؤون منعمها عز وجل، ويداوموا على شكره جل ثناؤه، {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ} [الأحقاف: ٢٦] حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل، {وَلَا أَبْصَارُهُمْ} [الأحقاف: ٢٦] حيث لم يجتلوا بها الآيات الكونية المرسومة في صحائف الأعمال، {وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ} [الأحقاف: ٢٦] حيث لم يستعملوها في معرفة الله تعالى {مِنْ شَيْءٍ} [الأحقاف: ٢٦] أي: شيئا من الأشياء، و" من " مزيدة للتوكيد، وقوله: {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [الأحقاف: ٢٦] تعليل للنفي، {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف: ٢٦] من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء، ويقولون: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الأحقاف: ٢٢]

فهذه الآية تُبْطل الاحتجاج بقوم أُعْطوا من القوة في الفهم والإدراك وفي القدرة والملك؛ ظَنًّا أن ذلك يمنعهم من الضلال، ألا ترى أن قوم عاد - لما أخبر عنهم

<<  <   >  >>