ومعنى الآية:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ}[الأحقاف: ٢٦] أي: قوَّيْنا عادا وأقدرناهم، و " ما " في قوله تعالى: {فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ}[الأحقاف: ٢٦] موصولة أو موصوفة، و " إن " نافية أي: في الذي، أو في شيء ما مكناكم فيه من السعة والبسطة وطول الأعمار وسائر مبادي التصرفات، كما في قوله تعالى:{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ}[الأنعام: ٦] ولم يكن النفي بلفظ " ما " كراهة لتكرير اللفظ، وإن اختلف المعنى، {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً}[الأحقاف: ٢٦] ليستعملوها فيما خلقت له، ويعرفوا بكل منها ما نِيطَتْ به معرفته من فنون النعم، ويستدل بها على شؤون منعمها عز وجل، ويداوموا على شكره جل ثناؤه، {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ}[الأحقاف: ٢٦] حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل، {وَلَا أَبْصَارُهُمْ}[الأحقاف: ٢٦] حيث لم يجتلوا بها الآيات الكونية المرسومة في صحائف الأعمال، {وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ}[الأحقاف: ٢٦] حيث لم يستعملوها في معرفة الله تعالى {مِنْ شَيْءٍ}[الأحقاف: ٢٦] أي: شيئا من الأشياء، و" من " مزيدة للتوكيد، وقوله:{إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ}[الأحقاف: ٢٦] تعليل للنفي، {وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}[الأحقاف: ٢٦] من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء، ويقولون:{فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}[الأحقاف: ٢٢]
فهذه الآية تُبْطل الاحتجاج بقوم أُعْطوا من القوة في الفهم والإدراك وفي القدرة والملك؛ ظَنًّا أن ذلك يمنعهم من الضلال، ألا ترى أن قوم عاد - لما أخبر عنهم