للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التنزيل - كانوا من القوة والبسطة في الأموال والأبدان والإدراك وسعة الأذهان وغير ذلك ما لم يكن مثله للعرب الذين أدركوا الإسلام، ومع ذلك ضلوا عن سواء السبيل، وكذبوا الرسل بالأباطيل، فالتوفيق للإيمان بالله ورسله، والإذعان للحق، وسلوك سبله، إنما هو فضل من الله - تعالى - لا لكثرة مال ولا لحسن حال، ومن يرد الحق ويستدل بكون من هو أحسن حالا منه لم يقبله، ولم يحكم عقله، ويتبع ما يوصل إليه الدليل، فقد سلك سبيل الجاهلية، وحاد عن الحجة المرضية.

ومثل هذه الآية: قوله تعالى: {وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: ٨٩]

كان اليهود يعلمون من كتبهم رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الله سيرسل نبيا كريما من العرب، وكانوا من قبل يستفتحون على المشركين ببعثته، ويقولون: يا ربنا أرسل النبي الموعود إرساله؛ حتى ننتصر على الأعداء، فلما جاءهم ما عرفوا، وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم كفروا به؛ حسدا منهم أن تكون النبوة في العرب، وهم - بزعمهم - أحسن أثاثا ورِئْيا، ولم يعلموا أن النبوة والإيمان بها فضل من الله يؤتيه من يشاء.

ومثلها - أيضا - قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ - الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: ١٤٦ - ١٤٧]

الضمير في قوله: (يعرفونه) عائد على العلم في قوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ١٤٥] فكتمانهم الحق، وعدم جريهم على مقتضى علمهم لما فيهم من الجاهلية، والاعتقاد أن فضل الله مقصور عليهم، لا يتعداهم إلى غيرهم.

وآية " الأنعام " موافقة لهذه الآية لفظا ومعنى، وهي قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ - الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: ١٩ - ٢٠]

<<  <   >  >>