للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثاني: أنه لا بأس باليسير من ذلك، كما نقل عن ابن عمر أنه كان يتحرى قصد المواضع التي سلكها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سلكها اتفاقا لا قصدا.

وسئل الإمام أحمد عن الرجل يأتي هذه المشاهد، ويذهب إليها، ترى ذلك؟ قال: أما على حديث ابن أم مكتوم أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي في بيته حتى يَتَّخِذَ ذلك مُصَلّى (١) وعلى ما كان يفعله ابن عمر، يتتبع مواضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأثره، فليس بذلك بأس أن يأتي الرجل المشاهد، إلا أن الناس قد أفرطوا في هذا جدا، وأكثروا فيه.

وكذلك نقل عنه أحمد بن القاسم أنه سئل عن الرجل يأتي هذه المشاهد التي بالمدينة وغيرها يذهب إليها؟ فقال: أما على حديث ابن أم مكتوم أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتيه، فيصلي في بيته، حتى يتخذه مسجدا، وعلى ما كان يفعل ابن عمر، «كان يتتبع مواضع سير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى إنه رُئِيَ يصب في موضعٍ ماءً، فسئل عن ذلك، فقال: " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصب هاهنا ماء» (٢) قال: أما على هذا فلا بأس به. قال: ورخص فيه، ثم قال: ولكن قد أفرط الناس جدا، وأكثروا في هذا المعنى، فذكر قبر الحسين وما يفعل الناس عنده. رواهما الخلَّال في كتاب الأدب.

فقد فَصَّل أبو عبد الله في المشاهد - وهي الأمكنة التي فيها آثار الأنبياء والصالحين من غير أن تكون مساجد لهم كمواضع بالمدينة - بين القليل الذي لا يتخذونه عيدا، أو الكثير الذي يتخذونه عيدا كما تقدم.

وهذا التفصيل جَمَعَ فيه بين الآثار وأقوال الصحابة:

فإنه قد روى البخاري في صحيحه «عن موسى بن عقبة قال: " رأيت سالم بن


(١) لم أجده من حديث ابن أم مكتوم، وإنما وجدته من حديث عتبان بن مالك عند البخاري في صحيحه في (الصلاة المساجد في البيوت: ٤٢٥) وفي مواضع أخرى، وهي بالأرقام (٦٦٧ و٨٤٠ و ١١٨٦ و٥٤٠١) ، ومسلم في (الإيمان: ١٤٩) وبرقم (١٤٩٦) .
(٢) ذكر الأثر ابن الأثير في أسد الغابة (٣ / ٢٣٧) ، والذهبي في سير أعلام النبلاء (٣ / ٢١٣) وفي الأصل " هنا " وما أثبته من الاقتضاء.

<<  <   >  >>