للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحلفاء كان أعظم له في صدورنا، وأطوع له عندنا، وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه، فذكر ذلك أبو طالب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عمر بن الخطاب: لو فعلتَ يا رسول الله حتى ننظر ما يريدون بقولهم، وما يصيرون إليه من أمرهم، فأنزل الله سبحانه: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ} [الأنعام: ٥١] إلى قوله سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: ٥٣] وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى حذيفة وصَبيحا مولى أسيد، والحلفاء: ابن مسعود والمقداد بن عمرو وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو ومرثد بن أبي مرثد وأشباههم، ونزل في أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} [الأنعام: ٥٣] فلما نزلت أقبل عمر فاعتذر من مقالته، فأنزل الله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} [الأنعام: ٥٤]

وقوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٥٢] جملة معترضة بين النهي وجوابه، تقريرا له، ودفعا لما عسى أن يُتَوَهَّم كونه مسوغا لطرد المتقين من أقاويل الطاعنين في دينهم، كدأْب قوم نوح حيث قالوا: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود: ٢٧] والمعنى: ما عليك شيء ما من حساب إيمانهم وأعمالهم الباطنة، كما يقوله المشركون، حتى تتصدى له، وتبني على ذلك ما تراه من الأحكام، وإنما وظيفتك - حسبما هو شأن منصب الرسالة - النظر إلى ظواهر الأمور، وإجراء الأحكام على موجَبها، وتفويض البواطن وحسابها إلى اللطيف الخبير، وظواهر هؤلاء دعاء ربهم بالغداة والعشي.

ورُوِيَ عن ابن زيد أن المعنى ما عليك من شيء من حساب رزقهم (١) أي: من فقرهم، والمراد لا يضرك فقرهم شيئا ليصح لك الإقدام على ما أراده المشركون منك فيهم.

وقوله: {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٥٢] عطف على ما قبله، وجيء به - مع أن الجواب قد تم بذلك - مبالغة في بيان كون انتفاء حسابهم عليه ينظِمه في سلك ما لا شبهة فيه أصلا، وهو كون انتفاء حسابه صلى الله عليه وآله وسلم عليهم، فهو على طريقة قوله سبحانه:


(١) روح المعاني (٧ / ١٦٠) .

<<  <   >  >>