للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم بأن المدار علة للدائر، وقولنا: " من غير وصف آخر": يزيل النقوض الواردة.

فهذا الاستقراء والتتبع يبين أن نصر الله وإظهاره هو بسبب اتباع النبي، وأنه سبحانه يريد إعلاء كلمته ونصره ونصر أتباعه على من خالفه، وأن يجعل لهم السعادة، ولمن خالفهم الشقاء، وهذا يوجب العلم بنبوته، وأن من اتبعه كان سعيدا، ومن خالفه كان شقيا.

ومن هذا ظهور بُخْتَ نَصَّرَ على بني إسرائيل، فإنه من دلائل نبوة موسى؛ إذ كان ظهور بُخْتَ نَصَّرَ إنما كان لما غيروا عهود موسى، وتركوا اتباعه، فعوقبوا بذلك، وكانوا - إذ كانوا مُتَّبعِين لعهود موسى - منصورين مؤيدين، كما كانوا في زمن داود وسليمان وغيرهما.

قال تعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا - فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا - ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا - إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا - عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} [الإسراء: ٤ - ٨]

فكان ظهور بني إسرائيل على عدوهم تارة، وظهور عدوهم عليهم تارة من دلائل نبوة موسى صلى الله عليه وسلم وآياته، وكذلك ظهور أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على عدوهم تارة، وظهور عدوهم عليهم تارة هو من دلائل رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأعلام نبوته.

وكان نصر الله لموسى وقومه على عدوهم في حياته وبعد موته، كما جرى لهم من يوشع وغيره من دلائل نبوة موسى، وكذلك انتصار المؤمنين مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد مماته مع خلفائه من أعلام نبوته ودلائلها.

وهذا بخلاف الكفار الذين ينتصرون على أهل الكتاب أحيانا، فإن أولئك لا يكون مُطاعُهم إلى نبي، ولا يقاتلون أتباع الأنبياء على دين، ولا يطلبون من أولئك

<<  <   >  >>