للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن كان كذلك كان الله يمقته، ويبغضه، ويعاقبه، ولا يدوم أمره، بل هو كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة قال: «إن الله يُملي للظالم، فإذا أخذه لم يُفْلِته "، ثم قرأ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: ١٠٢] » (١) [هود: ١٠٢] ، وقال - أيضا - في الحديث الصحيح عن أبي موسى أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع، تُفَيِّؤُهَا الرياح، تقيمها تارة وتميلها أخرى، ومَثَل المنافق كمثل شجرة الأرز، لا تزال ثابتة على أصلها حتى يكون انجعافها مرة واحدة» (٢) .

فالكاذب الفاجر وإن عظمت دولته فلا بد من زوالها بالكلية، وبقاء ذمه ولسان السوء له في العالم، وهو يظهر سريعا، ويزول سريعا كدولة الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، والحارث الدمشقي، وبابك الخرمي ونحوهم.

وأما الأنبياء فإنهم يُبْتَلون كثيرا ليمحصوا بالبلاء، فإن الله تعالى يُمَكِّن للعبد إذا ابتلاه، ويُظْهِر أمره شيئا فشيئا كالزرع، قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} [الفتح: ٢٩] أي: فراخه {فَآزَرَهُ} [الفتح: ٢٩] أي: قَوَّاهُ {فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: ٢٩]

ولهذا كان أول من يتبعهم ضعفاء الناس باعتبار هذه الأمور.

وسنة الله في أنبياء الله وأوليائه الصادقين وفي أعداء الله والمتنبئين الكذابين مما يوجب الفرق بين النوعين، وبين دلائل النبي الصادق ودلائل المتنبي الكذاب.

وقد ذكر ابتلاء النبي والمؤمنين ثم كون العاقبة لهم في غير موضع:


(١) أخرجه البخاري في (التفسير سورة هود: ٤٦٨٦) ، ومسلم في (البر: ٦٥٨١) واللفظ له، عن أبي موسى الأشعري.
(٢) رواه مسلم في (صفات المنافقين: ٧٠٩٥) بلفظ قريب مما ذكر هاهنا.

<<  <   >  >>