قال ابن الجوزي -رحمه الله-: "في سبب نزول هذه الآية قولان:
أحدهما: أن اليهود كانوا لا يسألون النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيء من التوراة إلا أجابهم، فسألوه عن السحر وخاصموه به، فنزلت هذه الآية. قاله أبو العالية.
والثاني: أنه لما ذكر سليمان في القرآن قالت يهود المدينة: ألا تعجبون لمحمد، يزعم أن ابن داود كان نبيًا، والله ما كان إلا ساحرًا، فنزلت هذه الآية".
قال تعالى:{وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا}(البقرة: ١٠٢) ذكره ابن إسحاق.
يخبر المولى -جل ثناؤه- أن أحبار اليهود وعلماءهم نبذوا كتابه، الذي أنزل على عبده ورسوله موسى -عليه السلام- وهو التوراة، كما نبذ أحفادهم الكتاب الذي أنزله على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو القرآن، مع أن الرسول جاء مصدقًا لما بين أيديهم من التوراة، فلا عجب أن يكون الأحفاد مثل الأجداد في الاستكبار والعناد، فهؤلاء ورثوا عن أسلافهم البغي والإفساد والعناد.
والتعبير بالنبذ وراء الظهور فيه زيادة وتشنيع وتقبيح على اليهود؛ حيث تركوا العمل بكتاب الله، وأعرضوا عنه بالكلية، شأن المستخف بالشيء المستهزئ به، وتمسكوا بأساطير من فنون السحر والشعوذة.
يقول سيد قطب -رحمه الله- في (ظلال القرآن): "والذين أوتوا الكتاب هم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، والمقصود طبعًا أنهم جحدوه وتركوا العمل به، ولكن التعبير المصور ينقل المعنى من دائرة الذهن إلى دائرة الحس، ويمثل عملهم بحركة مادية يتخيله بصورة مادية متخيلة، تُصور هذا التصرف تصويرًا بشعًا زريًا ينضح بالكنود والجحود، ويتسم بالغلظة والحماقة ويفيض بسوء الأدب والقُحة، ويدع الخيال يتملى هذه الحركة العنيفة، حركة الأيدي تنبذ كتاب الله وراء الظهور".