لقد نبذ أولئك كتاب الله وراء ظهورهم، كأنهم لا يعلمون أنه كتاب الله المنزل على نبيه -صلى الله عليه وسلم- واتبعوا طرق السحر والشعوذة، التي كانت تحدثهم بها الشياطين في عهد مُلك سليمان، وما كان سليمان -عليه السلام- ساحرًا ولا كفر بتعلمه السحر، ولكن الشياطين هم الذين وسوسوا إلى الإنس، وأوهموهم أنهم يعلمون الغيب، وعلموهم السحر حتى فشا أمره بين الناس، والسحر لم يُعرف إلا عند اليهود، فتاريخه مشتهر بظهورهم، فهم الذين نبذوا كتاب الله وسلكوا طريق السحر، وعملوا على إفساد عقول الناس وعقائدهم بطريق السحر والشعوذة والتضليل.
وهذا يدل على أن اليهود أصل كل شر ومصدر كل فتنة، وقد صور القرآن الكريم نفسية اليهود بهذا التصوير الدقيق في قوله تعالى:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}(المائدة: ٦٤).
ووجه المقارنة بين ذكر الشياطين والسحر في الآية الكريمة هو أن السحر فيه استعانة بأرواح خبيثة شريرة من الجن والشياطين، تزعم أنها تعلم الغيب وتوهم الناس بذلك، وقد كان بعض الناس يُصَدِّقون فيما يزعمون، ويلجئون إليهم عند الكرب، كما قال تعالى:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}(الجن: ٦)، ولهذا اشتهر السحر عن طريق الاتصال بهذه الأرواح الخبيثة.
أخرج ابن جرير والحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "إن الشياطين كانوا يسترقون السمع من السماء، فإذا سمع أحدهم بكلمة كذب عليها ألف كذبة، فأشربتها قلوب الناس واتخذوها دواوين، فأطلع الله على ذلك سليمان بن داود، فأخذها وقذفها تحت الكرسي، فلما مات سليمان قام الشيطانبالطريق فقال: ألا أدلكم على كنز سليمان الذي لا كنز لأحد مثل كنزه الممنع. قالوا: نعم،