للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتذليل، قال تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُون} انعزلوا هكذا بعيدًا عن المؤمنين: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين} ونداءه هنا: يا بني آدم. فيه من التبكيت ما فيه، وقد أخرج الشيطان أباهم من الجنة ثم هم يعبدونه وهو لهم عدو مبين.

{وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيم} واصلوا العبادة إلي، فهذا هو الصراط المستقيم الذي يؤدي إلى رضاي، إنكم لم تحذروا عدوكم الذي أضل منكم أجيالًا كثيرة: {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُون} وفي نهاية هذا الموقف العصيب المهين يعلن الجزاء الأليم في تهكم وتأنيب: {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُون * اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُون} ثم بعد ذلك يخذل المشركون بعضُهم بعضًا، وتشهد عليهم جوارحهم، وتتفكك شخصيتهم، يكذب بعضهم بعضًا، وتعود كل جارحة إلى ربها مفردةً، ويثوب كل عضو إلى بارئه مستسلمًا.

قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} إنه مشهد عجيب رهيب، تذهل عن تصوره القلوب، كذلك انتهى المشهد وألسنتهم معقودة، وأيديهم تتكلم، وأرجلهم تشهد على غير ما كانوا يعهدون من أمرهم، وعلى غير ما كانوا ينتظرون، ولو شاء الله لفعل بهم غير ذلك، ولأجرى عليهم من البلاء ما يريد.

ويعرض الله هنا نوعين من هذا البلاء، لو شاء الله لأخذ بهما من يشاء، قال تعالى: {وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُون * وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُون} وهما مشهدان فيهما من البلاء قَدْرِ ما فيهما من السخرية والاستهزاء، السخرية بالمكذبين والاستهزاء بالمستهزئين الذين كانوا يقولون: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِين} فهم في المشهد الأول عميان مطموسون، ثم هم مع هذا العمى

<<  <   >  >>